متابعات ثقافية

رحيل أوليفيا نيوتن-جون.. الفتاة الودودة | ترجمة: تهاني سكيكر

مقال: كارولين سوليفان

نشر المقال في صحيفة الغارديان (8/8/2022)

لطالما كان لدى المغنية والممثلة أوليفيا نيوتن جون، والتي توفيت عن عمر يناهز 73 عاماً بعد معاناة من مرض السرطان، رداً سريعاً ولاذعاً على أيّ شخص ينعتها بلقب “سيدة التملق الآتية من أستراليا”. فهي ورغم اللكنة الملبورنية (ملبورن)، فقد ولدت في المملكة المتحدة وتحديداً في كامبريدج، وهكذا –وكما صرحت لمشاهدي التلفزيون الأميركي عام 1980-هي عملياً وإن انطبق عليها اللقب، فستكون “سيدة التملق الآتية من إنجلترا.”

على كلّ وفي كلتا الحالتين، لم يكن ذاك النعت الساخر بعيداً عن الحقيقة. فعبر مسيرة أوليفيا الفنية، التي ضمّت مبيعات لنحو مئة مليون ألبوم غنائيّ، فضلاً عن بطولتها في فيلم Grease عام 1978، والذي يعدّ واحداً من أفضل الاستعراضات الفنيّة التي شهدها تاريخ السينما، لطالما كانت أوليفيا الفنانة الأقل إثارة للجدل. ورغم مواقفها الحماسية حيال أبحاث تتركز حول البيئة ومرض السرطان، إلا أنها نادراً ما أبدت آراء حازمة وحادة حول مسائل أخرى، أو تعاطت مع الانتقادات السّلبية التي تطالها.

وفي أوائل السبعينيات تحديداً، كانت أوليفيا واحدة من النجوم الشباب القلائل، الذين يحظون بشعبية واسعة لدى الآباء أكثر منه لدى أبنائهم. وذات مرة، وصفتها مجلة Rolling Stone بأنها “نسخة السبعينات الحلوة والبريئة من المغنية دوريس داي”. بيد أنها وفي أواخر تلك الفترة الزمنية نفسها، وبعد عقد من الأغاني الناجحة لموسيقى البوب الهادئة، استطاعت أوليفيا أن تتصدّر تلك الحقبة، وتحقق واحدة من أكثر القفزات مفاجئة على صعيد صناعة الموسيقى.

فحلّ الدنيم القطني الفاتن في دولاب أزيائها محل الجلد الأسود، مع أغلفة أسطوانات منمقة (والتي صوّر معظمها في المروج، فتبدو فيها بعذوبة الفتاة الودودة والطيبة) مع لقطات يطغى عليها الإغراء، وسطوع خافت. لقد ساعدها هذا التحول الجذري إلى حد بعيد في أدائها لدور ساندي، الفتاة الطيبة التي ذهبت إلى الشرير في فيلم Grease، ومضت أوليفيا قدماً إلى مكان أبعد، عبر أغنيتها الشهيرة Physical عام 1981 “أرغب في أن أكون جسديّة … دعني أسمع حديث جسدك”. وفي الوقت نفسه، فقد استُغلت كيمياء الشاشة الشهوانية والعبثية بينها وبين نجمها الشريك في فيلم Grease جون ترافولتا John Travolta، لإطلاق أغنيتين فرديتين Singles وليس واحدة فقط، Summer Nights و.You’re the One That I Want

وهكذا أخذت مسيرة أوليفيا الفنية بالصعود كما ينبغي، وتمكنت مع أغنية Physical أن تتربع على عرش النجاح لمدة 10 أسابيع متواصلة، وتتصدر قائمة الأغاني والألبومات الأكثر شعبية في الولايات المتحدة، ورغم ذلك لم تبدُ نيوتن-جون مرتاحة كليا لفكرة أن تكون مجرد “غاوية” للرجال. واستمرت في تعزيز فكرة أنها كانت شريك بوب يمكن الاعتماد عليه! وعلقت ذات يوم: “ربما لا يرغب الناس في سماع أنك أنيق ومهذب، لكن هذا ما أنا عليه الآن. حقا إني باردة ومملة جدا.”

وفي الواقع، فإن مراهقي السبعينات الذين ثملوا بحضورها كساندي لم يتفقوا معها أبداً في رأيها هذا. بل كان لها تأثير تكويني في مظهر ملايين الفتيات المراهقات، ولم تكون “باردة” أو “مملة” أبدا. على الأرجح، كان ذلك سعياً منها فقط لنيل الرضا والإعجاب. أحد الأمثلة الواضحة التي تشي بما سبق، هو ظهورها في مسابقة الأغنية الأوروبية عام 1974 والتي مثلت فيها بريطانيا. إذ لم تمضِ سوى سنوات فقط، كانت كافية كي تعترف أوليفيا بأنها لا تكره فقط الأغنية النطاطة على نحو مستهجن Long Live Love، والتي حلت في المرتبة الرابعة في السابقة –بينما تصدرت الترتيب أغنية Abba مع Waterloo-لكن أيضاً الفستان الرقيق المغري الذي كانت ترتديه. كانت تود حينها أن ترتدي بنطالاً، لكنها استطلعت آراء الجمهور حول ما ترتديه فصوتوا لصالح الفستان ولم ترغب أبداً في أن تخيب أملهم.

في الواقع، هذا النوع من المراعاة والاحترام جعلها تحظى بشعبية واسعة لدى الجمهور المحافظ في الولايات المتحدة، حيث حققت نجاحها الأكبر، لكنها وبالمقابل لم تفعل الكثير لإثبات مصداقيتها. فظلت في بقية حياتها، والتي قامت فيها بحملة من أجلة حقوق الحيوان وأسست مركز أوليفيا نيوتن جون للأبحاث والاستشفاء من السرطان، في نظر ترافولتا: “أوليفيا في الأساس فتاة حلوة ومحبوبة.”

كانت أوليفيا الأصغر من بين ثلاثة أبناءٍ أنجبتهم إيرين (ني بورن) من زوجها برينلي نيوتن-جون. كان يعمل مدرّساً، وبسبب عمله الجديد في جامعة ملبورن، اضطرت أسرته عام 1954 للانتقال من أستراليا إلى بريطانيا والإقامة هناك. ووفقاً لقانون الأسرار الرسميّة، كان والد أوليفيا ملزماً بإخفاء شؤونه الأسرية وإبقائها طي الكتمان بسبب حياته المهنية السابقة-ولم تكتشف أوليفيا العمل السابق لأبيها إلا بعد أن أصبحت راشدة، حينها فقط عرفت أنه وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، كان ضابطاً في جهاز الأمن البريطاني MI5، معيّناً في وحدة فك التشفير في بلتشلي بارك. أما جدها لأمها فهو ماكس بورن، الفيزيائي الشهير والحائز على جائز نوبل.

لطالما حلمت أوليفيا أن تكون طبيبة بيطرية. لكنها؛ وفي الواقع، شككت في قدرتها على اجتياز امتحانات العلوم، مما دفعها بدلاً من ذلك، إلى التحول نحو اهتماماتها الأخرى؛ فنون الأداء. فكان لأوليفيا حضوراً منتظماً عبر الراديو والتلفاز الأستراليين، وظهرت بلقب Lovely Livvy الذي ظلت تشتهر به، وفي سن السادسة عشرة، فازت أوليفيا ببرنامج تلفزيوني للمواهب. كانت جائزتها رحلة إلى مدينة لندن، فوصلتها عام 1964. بعدها بعامين، أخفقت أغنيتها الواحدة الأولى ((single Till You Say You’ll be Mine في الوصول إلى Chart (قائمة ترتيب أكثر الأغاني والألبومات شعبية في فترة محددة). كما فشل أيضاً مشروعها الغنائي التالي، والذي تمثل في دويتو غنائي مع الأسترالية بات كارول. بعدها انضمت أوليفيا نيوتن إلى فرقة Toomorrow لموسيقى البوب والمستوحاة من تجربة فرقةMonkees، وهي خطوة نقلتها إلى ما هو أبعد من الانعتاق من الفشل، عبر إصدار فيلم “Space musical” عام 1970، وأغنيتين اثنتين أحاديتين Singles””.

وفي عام 1971 تبدلت حظوظ أوليفيا حينما التقت كليف ريتشارد، ثم استضافتها في برنامجه التلفزيوني المتنوع، ودعوتها لتكون ضيفا مغنياً على نحو منتظم. وتمكّن صوتها الأنثوي الناعم بلكنته الأسترالية من الاستحواذ على إعجاب كل من بروس ويلش وجون فارار الأعضاء في فرقة Shadows المرافقة لريتشارد. مما دفعهم لدعوة اوليفيا لتسجيل Demos في الاستديو الخاص بهما. كانت في الأساس مغنية بوب، لكن ويلش وفارار شعرا بأنها تملك مقدرة لأداء الأغاني الشجية الحلوة وهو ما يمكن استثماره لترك أثر ملائم يجاري التوجه الغنائي الرائج حينها في البلد.

وبالفعل، لقد كانا محقين. فواحدٌ من Demos عام 1971، كان أغنية If Not For You للمغني الأمريكي Bob Dylan، وانبهر الجميع بعزف الغيتار الصاخب، فكان ذاك أول ضربة ناجحة وموفقة لها. تلا ذلك العديد من الأغاني الفرادى Singles، وألبومين أطلقا في العامين التاليين؛ أحدهما تضمن أغنية Banks of the Ohio والتي مثلت إصداراً مطوراً ورؤية مختلفة لـ murder ballad. وحققت حينئذ نجاحاً جيداً في المملكة المتحدة وأستراليا.

أما انطلاقتها الحقيقة فكانت عام 1973 مع أغنية Let Me Be There. واستهدفت هذه الأغنية على نحو مباشر قائمة التسجيلات الإذاعية في الريف، ورنين صوتها أخفى جذورها الأسترالية. كان هذا كفيلا بأن يضمن لها جائزة Grammy Award للغناء في ذاك العام كأجمل أداءٍ وصوت ريفي نسائي. كما فازت بأغانيها التي تلت ذلك، بما فيها أغنيتها المميزة I Honestly Love You، بجائزة Country Music Association awards كأفضل مغنية لعام 1974.

إنّ رزانة نيوتن-جون الفنية، والمدعّمة بإيقاعات وألحان جيدة، لا يمكن تجاهلها. بل جعلها تبدو طبيعية واكتسحت التسجيلات الإذاعية الريفية، لكن بعض أكبر الأسماء في Nashville تملكها الغضب من فكرة قيام “استرالي” بغزو واكتساح مقاطعتهم، وأسست جمعية هدفها الإبقاء على موسيقى Pop بعيداً عن هذا النوع الغنائي المستحدث. لكن ذلك لم يمنع نيوتن -جون في الواقع، من الفوز بالعديد من جوائز الأغنية الريفية في مقاطعات أخرى.

اللافت، ما ادعته أوليفيا لاحقاً بأنها لم تكن على دراية برد الفعل العنيف هذا. “كنت أسافر وأجول، وسمعت عما قيل لاحقا، كما سمعت أن دولي (بارتون) Dolly (Parton) ولوريتا (لين) Loretta (Lynn) قد دعماني وسانداني، وهو ما اعتبرته دعماً عظيماً حقاً.”

أما الأصعب آنذاك فكان اجتذاب صحافة موسيقى الروك Rock المفعمة بالقوة آنذاك (والأغلبية الساحقة من الذكور)، والتي مقتت ما سمته افتقار أوليفيا المفضوح “للأصالة”. كانت تغطيتها مزعجة لسنوات، منتقدة على نحو لاذع ما أسمته NME “استعراضاتها المحدودة على المسرح، وارتباطها المروع، ومظهرها الاصطناعي المتأرجح ما بين الكمال والتلميع.” فيما ركز آخرون على مظهرها. “من هي المغنية التي ترغب في أن تجلس في حضنك؟ سؤالاً طرحته المجلة الأمريكية لموسيقى الروك Creem. “كوني فرانسيس Connie Francis؟ (عجوز جداً)، شير Cher ؟ (بلهاء جداً). الجواب: أوليفيا!”

في سرها، استاءت أوليفيا من هذا النقد، لكنها فضلت عدم الرد. ربما لم تكن ثمة حاجة تستدعي ذلك. فأغنياتها الضاربة والناجحة لا تزال تتوالى –بعضها مثل If You Love Me (Let Me Know)، ما زالت ترتبط بصورة أساسية مع التوق إلى الماضي والحنين له حتى يومنا هذا. وحظيت أوليفيا بمزيد من الجوائز، بما فيها ثلاث جوائز جرامي أخرى، وفي عام 1979 حصلت على OBE. لكن المبيعات أخذت تتضاءل مع اختيارها للعب دور العذراء ساندي أولسون Sandy Olsson في فيلم Grease، فنقاؤها كان تهكماً واضحاً من توق السبعينيات لخمسينيات القرن الماضي.

في البداية ترددت أوليفيا في قبول الدور، فعمرها آنذاك 29 عاماً بينما ستلعب دور فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً: “كنت واعية جداً لمقيداتي في أداء الدور.” ومع ذلك فقد تفاوضت مع Travolta للحصول على سعر عادل ونسبة مئوية من العائدات في مقابل مساومة بلغت 125000 دولار أمريكي.

وفي الواقع؛ فإن نجاح فيلم Grease الهائل والحفاوة الحارة بأدائها أنعش مسيرة نيوتن – جون الفنية. بل مهّد الدرب لانطلاقة أخرى-دورها كملهمة يونانية في فيلم Xanadu عام 1980. كانت الآراء حيال دورها في الفيلم عادية، في حين تم توجيه انتقادات شديدة ولاذعة لكل جوانب الفيلم الأخرى، باستثناء الموسيقى التصويرية الآخذة منحى موسيقى الديسكو. ومن هذا الفيلم تحديدا انطلقت أغنيتان من أغانيها الرئيسية والممتازة Singles وهما شارة الفيلم وMagic . تلاها بعدها وفي ذات العام إطلاق أغنيتها Physical والتي كانت عنواناً لألبومها. حينها باعت LP نحو 10 ملايين نسخة، في حين خطف مقطع الفيديو الخاص بالأغنية، والذي ظهرت فيه نيوتن-جون بملابس رياضية، ووسط معدات أيروبيكس جديدة، جائزة جرامي Grammy .

وبرهنت أغنية Physical أنها فعلاً علامتها الفنية المميزة والعالية، والتي لم يدنُ من نجاحها أي من مشاريعها الفنية اللاحقة. فعائدات شباك التذاكر الذهبية لم ترَ النور حينما تعاون ترافولتا مع نيوتن-جون مجدداً في الفيلم الرومانسي الكوميدي Two of a Kind عام 1983، والذي كان سيء الصيت، وفي عام 1992 أفلست سلسلة متاجر الألبسة ذات الطابع الأسترالي والتي أسستها أوليفيا. وفي ذاك العام تحديداً تم تشخيص إصابتها بسرطان الثدي.

وبعد رحلة علاجية ناجحة، أصدرت أوليفيا عدة ألبومات تمحورت حول موضوع العلاج. وفي عام 2017 اكتشفت نيوتن- جون عودة المرض إليها مجدداً. أجري قسم من علاجها في مركز ملبورن لأبحاث السرطان والذي ساهمت في تمويله عام 2008، إذ يدعم صندوق مؤسسة أوليفيا نيوتن-جون الأبحاث المتعلقة بالاستشفاء النباتي والعشبي من السرطان. وفي عام 2018 نُشرت قصة حياتها والتي حملت عنوان: لا تتوقفوا عن الإيمان “Don’t Stop Believin” . بعدها بعامين صارت تلقب بالسيدة.

كان زواجها الأول في عام 1984، من الممثل مات لاتانزي Matt Lattanzi، وانتهى بالطلاق عام 1995. وشريكها من عام 1996 وما تلاه، فكان المصور باتريك ماكديرموت Patrick McDermott، الذي فقد في مياه البحر ويفترض أنه غرق في أعماقها عام 2005. أما زوج نيوتن-جون الثاني جون ايسترلينج John Easterling، والذي ارتبطت به عام 2008، وابنتها من زواجها الأول، كلوي Chloe، فهما اللذان سيعيشان طويلا من بعدها.

*أوليفيا نيوتن – جون، مغنية وممثلة، ولدت في 26 سبتمبر 1948؛ توفيت في 8 أغسطس 2022.

رابط المقال الأصلي هنا

تهاني سكيكر: صحفية ومترجمة، لها ترجمات عدة لدور نشر، فضلاً عن البحث العلمي والترجمة في مجالي الفلسفة وعلم النفس. وعملت لسنوات عديدة في المجال الإعلامي بأنواعه (الصورة: qannaass.com).

خاص قناص

مجلة ثقافية تنفتح على أشكال الأدب والفنون في تَمَوجها الزمني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى