ليلى بارع – المغرب: ندوة إحتفائية بديوان «المقر الجديد لبائع الطيور» لـ عمر العسري
احتضنت قاعة الندوات بمقر فيلا الفنون، بمدينة الدار البيضاء، ليلة الأربعاء 12 أبريل 2023، لقاء احتفائيا بديوان “المقر الجديد لبائع الطيور” للشاعر والناقد عمر العسري، بمساهمة كل من من القاص والكاتب أنيس الرافعي والناقد والباحث محمد علوط، والكاتب والإعلامي سعيد منتسب، والباحث الجمالي والشاعر عز الدين بوركة. اللقاء الذي قامت بتسييره الإعلامية والكاتبة غادة الصنهاجي، كان من تنظيم مؤسسة المدى، قارب تجربة الشاعر عمر العسري من مختلف أوجهها، في إطار شهادات وأوراق نقدية حاولت باستعمال مناهج نقدية مختلفة تفكيك النص الشعري وتنوعاته في تجربة الشاعر عمر العسري.
وتحت عنوان “حصة الأفق” قدم القاص والمبدع المغربي أنيس الرافعي شهادته حول ديوان عمر العسري “المقر الجديد لبائع الطيور” قائلا: “استنادا إلى معايشتي اللصيقة والشخصية للمؤلف الافتراضي عمر العسري، تفتق ديوان المقر الجديد لبائع الطيور من ثلاث لحظات مفصلية، قوامها العبور المتكرر في المكان، والتقاطه العين المرئية، ثم انبجاس الفكرة الشعرية من جدلية الإقامة والتحليق لدى الطير.
أدار الندوة الإعلامية غادة الصنهاجي، تنظيم مؤسسة المدى، قاعة الندوات بمقر فيلا الفنون، بمدينة الدار البيضاء، ليلة الأربعاء 12 أبريل 2023.
مضيفا بأن : المشاء بالأخيلة على الطريقة الأرسطية، الذي سكن دائما المبدع عمر العسري، قبض في برهتين حاسمتين على خربشة جدارية ماثلة للنظر وعنوان مقر أعشاش مهجورة في مدينة الدار البيضاء، ثم ركبهما ضمن بنية واحدة متداخلة مترادفة هي التي صارت فيما بعد أيقونة الغلاف…تركيب بصري محض، سرعان ما انتشر كالعدوى الشيطانية بين أوصال الديوان من جبهة اليافطة إل ىمفرق منفذ الإغاثة”، مرورا بكافة قصائد الديوان العشر، وأثناء التصييغ الكتابي المختبري، غدت فكرة الطير، باعتبارها مركزية الدلالة حسب الطرح الهيرمينوطيقي، مساحة فراغ هائلة ومسافة حدوس لانهائية، سمحا بالمضي حثيثا صوب الزرقة العتيقة للمعنى، بعد أن يرمم الشاعر حياته المحطمة، ويخرج من سجن أناه الصغرى، ويطرق على الصواني النحاسية للوجود الأكبر.
من جهته، اعتبر الناقد المغربي محمد علوط، الذي قدم مداخلته النقدية تحت عنوان ” من الرميم إلى الترميم”، بأنه قرأ العمل الشعري المقر الجديد لبائع الطيور لعمر العسري مرتين متعاقبتين ثم طوى الكتاب ونسي كل ما قرأ، فهذه كتابة شعرية تقرأ بالنسيان على حد قوله. مؤكدا أنه وفي شعرية الكتابة بالنسيان لدى عمر العسري تحفل نصانية العمل الشعري بمجازات الأثر الغائب لا كمحفل لذاكرة الحضور والامتلاء كما هو الشأن في تناص المعارضة بل ك “كتابة بيضاء” تستدعي الصمت لتحرر المعنى الشعري من سديم وكثافة التكرار وتستدعي الغياب، ذلك النص المبهم المجهول لصوت الكينونة الشعرية، وتستدعي الفراغ لتمنح الكلمة الشعرية مسكنا في العزلة التي تؤسس للامتحيز واللامتعين واللامدرك. مسكنا أو مقرا جديدا /سيان، ما دام جوهر الشعري يكمن في العبوري، العبور كطقس مجازي لتخلق الدلالة الشعرية في مشاكلات الأثر البرزخي، لا ككلمة نهائية، بل كهيروغليفية أولى لتشكل الأسماء والعناصر المعمدة بشرارة البدء..”
عمر العسري؛ أديب وناقد من المغرب
ومن الرموز التي وقف عندها الناقد محمد علوط طويلا أثناء مداخلته التي قسمها إلى محورين برولوغ واقتفاء الأثر، نقف عند رمز الموت، عن ذلك يقول: “الموت هو أحد الأصوات الشعرية القوية الأثر في المقر الجديد وتتعدد صور إبدالاته الاستعارية في هذا المتن الشعري خالقة دينامية شعرية لمسار ذاهب من حد الرميم إلى حد الترميم…يستوقفا النص الشعري الحامل للعنوان “حياة في طور الترميم” والذي على شاكلة المجاز الاستعاري لدي سيلين يجعل من السقوط استعارة ظلية للموت. نقرأ من النص ضمن التشذير 71 ( أم غدوت نايا وحيدا/ يسقط خفيفا/ مثل ريشة هدهد/ فكيف أصالح /بين النفخ/ والسقوط”)…
الورقة الثالثة في هذا اللقاء، و المعنونة ب”المرئي والهمل في ديوان المقر الجديد لبائع الطيور للشاعر عمر العسري”، تناول فيها الكاتب والإعلامي المغربي، سعيد منتسب جوانب جديدة من هذ العمل، بمقاربة هذا العمل الشعري الجديد لعمر العسري مع أعماله السابقة. يقول سعيد منتسب تحت عنوان الإلتواء والتوسع ” إن قراءتنا للأعمال السابقة للشاعر عمر العسري، عندما يتخطاك الضوء، يد لا ترسم الضباب/ من أي جهة يأتي الصياد/ تسمح لنا بالقول إن هذا الديوان قفزة في إحساسه بالمعنى، وخروج من الملجأ اللغوي الآمن إلى ما يمكن تسميته بالإنجاز المرئي أو أفلمة اللغة أو عرض الأشياء والأسماء على الشاشات المبهرة.وبطبيعة الحال لا يمكن لهذا الحكي المرئي شعريا، أن يتحقق خارج الإلحاح على التمثل الخاص للمكان، وخارج ميثاق الترابط بين الأصبع والإشارة على مستويات عدة، صوتيا ونحويا وسياقيا، وهذا ما يمكن الوقوف عليه في مختبر نص / منديل أبيض مدرج بالفراشات الميتة: إنه نص شعري مسرود يتمتع بقوتين أساسيتين سبق أن انتبه إلهما رولات بارث، أي الإلتواء والتوسع، ذلك أن المدلول السردي يتوزع هنا على عدة دوال يبتعد كل منهما عن الآخر، فيما تمتلئ هوة المعنى بالتماسك السردي. إننا أمام قصة متكاملة الأركان يتأسس وجودها على ما نسميه مسرود الطريق.
كما توقف المداخلة النقدية للكاتب سعيد منتسب عند علاقة نصوص الديوان بالمكان، حيث يقول : ” إن المكان في المقر الجديد لبائع الطيور ليس مجرد خارطة يتكفل الشاعر باستعراض حجمها وأسماء مدنها وأحيائها، وخطوط طولها وعرضها وتمدداتها وانحناءاتها، كما أنه ليس أبعادا هندسية تتأسس على الانفصال والاتصال، بل شيئا مرئيا يصهر العلائق التي يكتظ بها النص، ويمنحها حياة أخرى، إنه بمعنى من المعاني إقامة بالقرب من الأشياء والإمعان اقتطاعها من العابر ودفعها دفعا جميلا نحو البروز في إمكان شعري متداخل ومتشابك ولا يرتاح للأطراف…”.
وتحت عنوان ” اقتناص شعرية الأشياء المنفلتة، فضل الناقد الجمالي والشاعر المغربي، عز الدين بوركة، مقاربة تجربة الشاعر عمر العسري في كتابه “المقر الجديد لبائع الطيور”، حيث يرى بأن الشاعر يعمل “على مطاردة تفاصيله الخاصة، لا يدعي أي نوع من الشعرية الملتصقة بعضلات المجازات الزائدة عن اللزوم، أو الاستعارات اللغوية المكدسة مثل الشحم في بطن نص متخمة، حيث يغيب المعنى وتغيب الذات. أي نعم الشاعر، في هذا المقام، هو المعنى، لكن لا بد للصدق من حيّز داخل النص، ولا بد أن نسمع صوت الشاعر بكل تشظياته وتعدده الداخلي.
يكتب الشاعر نصا يحاور العالم والأشياء، ويقترب من الواقع ويتنصل منه، ويمتع منجزه بتضاريس جغرافية، بل هو اقتراب وارتكاز قابل للمس. يقول “التفاصيل/ تبتسم/ لسطوة القوة فيكَ”
ولأن اللمس أكثر إغراءً من النظر، يحق للقارئ أن يتحسس تلك الطيات والثنايا التي تكاد تغدو استدارات، داخل المنجز، لا أعنيها هنا بالمعنى الإيروسي، لكن في انصهارها مع لاوعي المتلقي وإدراكاته الخارجية، التي يأتي مشحونا بها وهو يطال/يلامس النص. وهذا الغور العميق في اللاوعي والذاكرة اليومية العابرة، والعامرة بالمنسي والمنكمش في كثافة اليومي، رغم تكراره بصريا ووظيفيا، يجد لنفسه مساحة مهمة في ما يُنعت بـ”ذاكرة الجسد”، الذي يختزن ويختزل تفاعلات تجاربية من الأبدان الأخرى.
اللمس الشعري للأشياء، يمنح المنجز بعدا أليغوريا ويجعله سليل الذاكرة، لأنه دعوة عارمة لتأجيل النظر وإعمال المخيّلة. فالخيال عند باشلار يتلبس باليدين ويتحقق بهما. لأنهما رديفا الخلق والإبداع وعبرهما تتشكل التفاصيل، في احتكاك الجلد بنسيج العالم والأشياء.
يهرب عمر العسري في عمله هذا من اللامختلف شعرا، حيث تغدو أشياؤه داخل هذا العمل الشعري مأتى الإزاحة المبتغاة إقامتها في صميم الإبداع العربي. إذ عنده اليومي هاهنا يعد مبرر التحول، لا مقر التوطين والاطمئنان الشعري للمستقر، إنه بالمعنى الأدق نوع من ركوب المغامرة بحثا عن الهارب في المألوف بصريا ولغويا. يقول “هَأنذا يا سيدتي/ أركب/ الحافلة السريعة/ الماضية إلى وادي “زَمْ”/ غايتي الوصول إلى أرضِ الفُشارِ.”.
وصرح الشاعر عمر العسري في نهاية الاحتفاء بمجموعته الشعرية بأن هذا العمل هو نسيجة واحدة وليس قطعا متناثرة مختلفة الألوان، وأن النصوص كانت نوعا من الاحتفاء بالمدينة، مدينة الدار البيضاء تحديدا، من زاوية شعرية مع تضمين النصوص لخلفيات معرفية . مؤكدا على كونه حاول الانزياح عن الرؤية الطاووسية في الكتابة الشعرية مع تأكيد ميله لجعل القصيدة خفيضة تسائل الناس في تفاصيلهم بعيدا عن ما أسماها بالرومانسية المحلقة.