حوار مع فنسنت لوديه عن روايته أخ
قرأتُ باهتمام بالغ، وتأثر لا أخفيه روايتك «أخ»، لم احتج لقراءة صفحات كثيرة حتى وجدتُ نفسي فردا من هذه الأسرة التي عاش فيها تادي.
أعتقدُ أنك نجحتَ بما يسعى إليه أي كاتب عندما ينجز عمله الإبداعي بأن يكتبَ روايته الخاصة به، ولكن بنفس الوقت أن يصيب قلبَ ذلك القارئ المجهول في مكان ما بعيد، فيحدثُ ذلك التناغم بين كلمات الكاتب ومشاعر القارئ.
أعبِّرُ لك عن إعجابي بروايتك هذه الذي تمثِّلُ تماما ما انتظره من قراءة كتاب جديد. لم أردد بالكتابة عنها وتعريف القارئ العربي بها.
فنسنت لوديه: أشكركَ على الكلمات المؤثرة، وعلى التعريف بكتابي، هذا لطيف جدا.
اسمح لي بطرح بعض الأسئلة عن الرواية وتفاصيلها.
فنسنت لوديه: تفضل.
*ما وجهة نظرك باختيار سيسيل حبيبية لتادي على الرغم من أنَّك أوحيتَ في الصفحات الأولى أنَّها تآمرت مع الطبيب في ذلك المصح النفسي الغريب، وأعطت تادي أدوية مشكوكا بفائدتها؟
فنسنت لوديه: بما يخصُّ سيسيل، لم يكن يوجد أيَّ تآمر بينها وبين الطبيب المعالج لتادي، في ذلك العام ١٩٦٧م، كانت رياح الحرية قد بدأت بالهبوب على صمت الوسط الطبي، كانت سيسيل «متدربة» متحررة قليلا، وربما غير ناضجة وهذا ما يفسِّرُ موقفها.
*هل كان صمت تادي عن التصريح بمبرر ضربه للأستاذ لعبةً فنيةً غايتها إثارة القارئ، أم لسبب آخر يتعلق بحالته النفسية رغم أنَّه دفع ثمنا غاليا لذلك؟
فنسنت لوديه: كان تادي خلوقا، اعتبر أنَّه لم يكن مضطرا لوضع ذلك في «الميزان»، وأن هذه المشكلة لا تخصُّ الآخرين.
كان والده مقاوما أثناء الحرب العالمية الثانية، وربما أثرت قصصه عليه، كما أنَّه في ذلك العصر، وذلك الوسط الاجتماعي لم يكن التعبير عن الآلام والمشاعر سهلا.
*هل كان هذا التناقض بين ماضي أسرة تادي الاستعماري، وتعامله هو مع أبناء الشعوب الأخرى القائم على الأخوة والمساواة مقصودا لتأكيد اختلافه وتميزه؟
فنسنت لوديه: أقام والد تادي لفترات طويلة في أفريقيا وعمل هناك، لم يكن لديه أبدا ذلك النَفس «الاستعماري»، بل كان يحبُّ حقاً الشعوب الأفريقية، ويحترمها بعمق. كان تادي على معرفة بتفاصيل رحلات والده الأفريقية.
*هل عبَّرت رحلة تادي إلى أفغانستان والهند عن لقاءٍ في منتصف الطريق بين الغرب المتعب بماديته والشرق المختنق بأديانه؟
فنسنت لوديه: بما يتعلق برحلته، فإنَّ كلمة «رحلة» لم تكن مستعملة أيضا بشكل مفرط.
كان تادي الذي «أحتُجِزَ» لعشر سنوات متعطشا للمغامرة، ومنجذبا أيضا بعمق للمسألة الروحية، وبالتالي اختار الهند مقصدا له لاستطاعتها الاستجابة لهاتين الرغبتين، وكما أروي في الكتاب، لم يكن مروره بأفغانستان إلا صدفة على الطريق، ومع ذلك فقد أحبَّ هذا البلد بصدق.
*هل كان «مرض» تادي الحقيقي وغير المرئي هو اختلافه عن مجتمعه، وعدم إتقانه للشيفرة التي تنظمه؟
فنسنت لوديه: أنتَ تتحدث عن مرض تادي… أمَّا أنا فأعتبر بأنَّ تادي لم يكن «مريضا»، الأطباء أضعفوه بشكل كبير وهم مسؤولون عن ذلك، هذا هو رأيي.
أمَّا بما يتعلق «بالشيفرة» التي تستوحيها، فقد أتقنها تادي تماما وعرف كيف يمسك بناصيتها، علاوة على ذلك، فإنه لم يشتكِ أبدا من حالته خلال فترة وجوده كلها.
*هل دفع تادي ثمن غربته النفسية في مجتمعه بغربة فعلية في بلاد الشرق البعيد؟
فنسنت لوديه: لا أعرف إن كان تادي قد دفع ثمن غربته النفسية في رحلاته… أعتقدُ العكس فقد استفاد منها فائدتين: عاطفية ونفسية. لم تكن الرحلاتُ سببَ اضطرابه، بالنسبة لي، الأدوية والعلاجات «التجريبية» المطبَّقة من أطباء مغامرين هي سبب هذا الاضطراب.
*انتظرتُ في نهاية الرواية أن تحاكمَ المدرِّسَ والطبيب النفسي غريب الاطوار في مصح «البيت الأبيض»، وحتى سيسيل، لكن هذه الأخيرة هي من حوكمت لوحدها، لماذا؟
فنسنت لوديه: لا أريدُ خصوصا أن أضع أحكاما، بل كتبت أحداثا، هذا الكتاب ليس لتصفية الحسابات، وفوق ذلك لا أرغبُ بأن يتم تفسيره بهذا الشكل، وأضيفُ بأن تادي خلال حياته، لم يرد أن يصدرَ حكما قط لا على الأستاذ ولا على الأطباء الذين عالجوه.
*ختمتَ الرواية بكلمات رائعة عن تادي، لماذا لم تفتتحها بهذه الكلمات لجذب القارئ؟
فنسنت لوديه: يسعدني سؤالك، لأنَّ بداية الرواية كانت فعلا ما كتبتُه بالصفحة ٢٩٣ والكلمات التي أشرتَ إليها.
كنتُ قد كتبت هذا المقطع منذ وقت طويل، حتى قبل أن أفكرُ بكتابة رواية.
كانت فكرة الناشر التي وافقتُ عليها أن افتتح الرواية بوصول والدة تادي إلى الهند، ربما «لكسر» الإيقاع، وأعتقدُ أنَّها فكرة جيدة.
*هل أردتَ ونحن نقرأ الرواية أن نشعرَ بالأسف على أنفسنا وعلى المجتمع، أكثر من الأسى على مصير تادي؟
فنسنت لوديه: لا أريد أبدا أن نشعر «بالأسف» لا على تادي، ولا على أنفسنا، بالعكس، الهدف هو تنبيه القارئ على الطاقات الكامنة في نفسه والتي تسمح له بالارتقاء. يعجبني هذا الاقتباس لِـ تاليران التي يقول فيها: «أنا لا أقبل الانحناء إلا لمساعدة الآخر على النهوض»، هذا هو معنى هذا الكتاب.
*شكرا جزيلا لك، وأنا بانتظار روايتك المقبلة.
فنسنت لوديه: أرجو أن أكون قد أجبت بأفضل الممكن عن استفساراتك، أتمنى لك قراءات جيدة، وأسمح لي أن اقترح عليك هذا الكتاب لِـ ديليا أوينز «كِيا.. حيث يغني جراد الماء» الذي قرأتُه حديثا وهو كتاب مُبهج للغاية عن الطبيعة الإنسانية.
***
حوار مع فنست لوديه عن روايته أخ؛ حاوره: فراس ميهوب
فراس ميهوب؛ كاتب سوري