واكبتْ رسومه الجريئة نبضَ الجماهير وتفاعلتْ مع الثورات العربية
عندما انطلق فن “الكوميكس” في مصر بقوة، منذ قرابة عشر سنوات، كأحد فنون السخرية والانتقاد والتمرد على نحو فني، فإنه كان ثمرة لحقلين فنيين إبداعيين أساسيين؛ الأول: هو حقل السرد القصصي والروائي، والثاني: هو حقل رسوم الكاريكاتير.
التقت رغبة كتّاب الحكاية، الباحثين عن فضاء أرحب من أدب الكلمات، مع رغبة رسّامي الكاريكاتير المتشوقين بدورهم إلى عوالم حية تتجاوز اللقطات الأحادية الثابتة، من أجل صياغة عوالم سحرية تجمع بين السرد والصورة والتعبير، فكانت حركة فن القصص والرسوم والأشرطة المصوّرة “الكوميكس” الواسعة، التي غيّرت خريطة الفنون البصرية بالكامل في مصر، وأحدثت انتعاشه في مجال الطباعة والنشر، وأعادت العلاقة الحميمة بين الفنانين والجمهور من خلال تفاعل إيجابي مباشر، الأمر الذي أدى إلى نضج هذا الفن الوليد وانتشاره بسرعة، من خلال إصدارات الكوميكس ومجلاته المتعددة التي حملت روح الشباب، واستوعبت حماسهم للتجديد والتغيير، جماليًّا ومجتمعيًّا في آن.
قليل من الكُتّاب هم الذين استطاعوا أن يخوضوا ميدان الكوميكس فُرادى، إذ يتطلب الفن الجديد الريشة والألوان وامتلاك أبجديات التعبير التشكيلي ولوازمه الدراسية والمعرفية، ومن ثم فقد لجأ أغلبية المؤلفين الشغوفين بالكوميكس إلى الاستعانة بالرسّامين المختصين ليخوضوا معهم مغامرات الكوميكس في أعمال ثنائية مشتركة بين كُتاب السيناريو، والرسّامين.
أما فنانو الكاريكاتير، الذين كان لهم حضور كبير في الصحف الورقية في ذلك الوقت، لا سيما الصحف المستقلة مثل “الدستور” وصحف المعارضة مثل “الوفد” وبعض المجلات المهتمة بالكاريكاتير مثل “روز اليوسف” و”صباح الخير”، فقد انطلق الكثيرون منهم إلى مجال الكوميكس الأخصب والأحدث والأنسب في احتواء متغيرات العصر ومستجداته اليومية، المتعلقة بالناس في دروب الحياة، وخصوصًا أؤلئك الفنانين الذين كانت لهم تجارب متعمقة مع الكاريكاتير السياسي، فهم أصحاب الرؤية والحنكة والمهارات الفنية والجمالية والتعبيرية والأسلوبية والقدرات التقنية والاحترافية والمنهجية من جهة، وهم من جهة أخرى الأجرأ والأكثر جنونًا وتهورًا، بهدف تخليق فن مبتكر متفجر إيجابي فعّال، يسهم في المحو والبناء في آن.
من هؤلاء الرسّامين الذين زاوجوا بين الكارتون و”الكوميكس” في أعمالهم الساخنة التي حققت انتشارًا كبيرًا، الفنان عمرو عكاشة، وقد اقترن اسمه كرسام كاريكاتير وكوميكس، وأيضًا ككاتب ومحلل سياسي، بالصحف المستقلة والمعارضة، ومنها “الدستور” قبل ثورة يناير، و”الوفد” التي يعمل حاليًا نائبًا لرئيس تحريرها، وحظيت الكثير من رسومه بالتفات دولي كبير من جانب وسائل إعلام عالمية مرموقة منها “الواشنطن بوست” و”النيويورك تايمز” و”لوس أنجلس تايمز” ومجلة “الإيكونومست” ووكالة “أسوشيتد برس”، وغيرها، كما أن له خبرات في تحليل رسوم الأطفال، وأساليب المعالجة عن طريق الفن، وقد ترأس تحرير صحيفة “أخبار الصغار” للأطفال، ورسم العديد من قصص الأطفال، منها سلسلة “يُحكى أن”.
أما مبتكرات عكاشة السياسية، فهي الأبرز في تجربته، ومنها حكايات “سلطنة بورنجا” المحملة بالإسقاطات السياسية لشخصيات حقيقية مؤثرة، و”وزارة فرفشة” التي هي بمثابة حكومة موازية للحكومة الحقيقية، وقد حصل عكاشة على بكالوريوس الفنون والتربية من كلية التربية الفنية بجامعة حلوان، ومن مؤلفاته وإصداراته: “فلاش باك 20″، و”فرقة الناشط علي”، التي ابتدع رسومها، و”مذكرات زوج مقهور وزوجة مخنوقة”، وهي مناوشات اجتماعية يناقش فيها معاناة زوج مصري هو “زنكلوني” مع زوجته النكدية “سنية” من خلال مواقف كوميدية صراعية، وغيرها من الأعمال، إلى جانب مشاركته في معارض كاريكاتير وكوميكس وورش عمل متعددة، محلية وعربية ودولية.
حظيت الكثير من رسومه بالتفات دولي كبير من جانب وسائل إعلام عالمية مرموقة منها “الواشنطن بوست” و”النيويورك تايمز” و”لوس أنجلس تايمز” ومجلة “الإيكونومست” ووكالة “أسوشيتد برس”، وغيرها…
cbldf.org
مجلة “قناص” التقت الفنان عمرو عكاشة في هذا الحوار، للحديث عن ملامح تجربته الزاخمة، خصوصًا ما يتصل بفن الكوميكس، وأبرز القضايا الراهنة المتعلقة بهذا الفن التعبيري المغاير، الذي يواجه مشكلات وعوائق وتضييقات كثيرة خلال الفترة الأخيرة، بعد سنوات من التحقق والتفجر والانطلاق…
قطعتَ أشواطًا بعيدة في الكاريكاتير السياسي أوصلتكَ إلى دائرة التأثير في مرحلة حساسة أنتجت بالفعل واقعًا مختلفًا على الأرض، وليس فقط في الخيال والأمنيات. هل وجدتَ في الكوميكس مدى أبعد للتخطي والتقدم وتجاوز الحاضر إلى المستقبل؟
“الكوميكس”، هو ذلك الفن الخارج دائمًا عن المألوف، سواء كان رسومًا سياسية، أو قصصًا مصورة، وسواء نُشر في الصحف ومواقع الإنترنت والسوشيال ميديا، أو في كتب ومجلات وإصدارات ورقية. هذا الفن هو خلاصة فكر الفنان ورؤيته، ممزوجة بخطوط تعبر عنه، وتستطيع عادة الوصول إلى المتلقي مباشرة. هو كذلك الفن الذي يتخطى حالة التعبير عن الواقع، إلى استشراف المستقبل بكافة تفاصيله، والذي قد لا يستطيع البعض استيعابه أحيانًا لأول وهلة، إلا أنه قادر على الوصول إلى عقل المشاهد من خلال صورة مرسومة، حتى لو كانت بدون تعليق.
والرسم في الأساس هو مجموعة من الخطوط التي نشكلها كيف نشاء، وتأتي أهمية هذه الخطوط من الفكرة التي تعبر عنها، وهو ما يجعلها البذرة الأولى نحو التغيير، وليس التغيير فقط في المجال السياسي، وإنما يمكن أن يحدث التغيير من خلال مجرد رسم بسيط، يقود إلى اكتشاف قدرات كامنة في الفرد، وتوجيهه نحو الأفضل، أو قد يؤدي الفن إلى تغيير سلوك مجتمعي سيئ مثل التحرش، كما قد يقود أيضًا إلى التنبؤ بالمستقبل من خلال إطلاق العنان للخيال، في القصص الفانتازية.
لهذه الأسباب كلها، يعد الكوميكس وعاء مثاليًّا لاحتواء أفكار جيلنا، من المتطلعين إلى التحرر والتغيير والتحول المجتمعي والفني نحو الأفضل، ومقاومة القيود الموروثة البالية، التي جثمت على الصدور أحقابًا طويلة.
على الرغم من الخصوصيات الفردية الواضحة لدى رسامي الكوميكس والكاريكاتير في مصر، فإنك تتحدث عن ملامح جيل، فهل تؤمن بالمجايلة، وبماذا يختلف أبناء المرحلة الحالية من الفنانين الجدد؟
بالفعل هناك خصوصية فردية لكل فنان، لكن هناك أيضًا سمات مشتركة لأبناء المرحلة الواحدة، الذين عاشوا ظروفًا متشابهة. أقصد في جيلنا مجموعة الفنانين الذين يُطلق عليهم “جيل الوسط”، ومنهم عمرو سليم وهاني شمس وأحمد عبد النعيم وعمرو فهمي وغيرهم، وهذا الجيل هو التالي لجيل الكبار من أمثال مصطفى حسين وطوغان وجمعة ومحمد حاكم ونبيل صادق، وهو الجيل الذي بدأت أولى خطواته نحو الأداء والانتشار في تسعينات القرن الماضي. ويعتبر هذا الجيل من أكثر الأجيال التي عانت في سبيل نشر الأعمال الفنية للوصول إلى الناس، بعكس الجيل الحالي مثلًا، الذي ظهر في ذروة حضور السوشيال ميديا، التي جعلت من السهل على أي فنان عرض أعماله على الجماهير بصورة مباشرة وبدون وسيط مثل الكتاب المطبوع أو الصحيفة. وقد انعكست هذه التقنيات الجديدة على الجيل الحالي بالتأكيد، من حيث عناصر الصناعة ذاتها، والصيغ الرقمية، والرسم الكمبيوتري، الخ، إلى جانب حساسية التفاعل اليومي الآني اللاهث مع الأحداث ومع المتلقي.
أما بالنسبة إلى جيل الوسط، فقد عانى الكثير، وقدم أيضًا الكثير، حيث حمل أبناء هذه المرحلة، كل على عاتقه وفي موقعه سواء كان في صحيفة قومية أو معارضة أو مستقلة، مسؤولية وصول رسوم الكاريكاتير والكوميكس إلى كل بيت، عبر وسائل التواصل والتوصيل المتاحة في ذلك الوقت، وهى الصحف الورقية والكتب، وقد كانت ثقافة الكوميكس أو القصص المصورة قبل ذلك تقتصر على القصص المترجمة، مثل “تان تان” وراعي البقر الأمريكي “لاكي لوك”، ومجلات ميكي وسمير وغيرها.
“الكوميكس” أكثر الفنون خروجًا عن المألوف وتجاوزًا للواقع نحو المستقبل، وهو الفن الأنسب للتعبير عن النقد الاجتماعي والسياسي.
في ضوء إيمانك بالمراحل الفنية، وبالمجايلة، هل من تقسيم تراه أيضًا لصفحات تاريخ بزوغ فن الكوميكس بمصر، ونضجه، وتطوره؟
عمرو عكاشة: من وجهة نظري، وبقدر مقبول من التحديد، يمكن أن نقسم تاريخ الكوميكس الحديث في مصر الى مرحلتين؛ الأولى: ما قبل ثورة يناير 2011، وهي الفترة التي بدأت فيها السوشيال ميديا تطغى على الصحف الورقية، أي تقريبًا منذ عام 2007 حتى عام 2011. أما المرحلة الثانية: فهي ما بعد 2011 إلى وقتنا الحالي.
ولا أستطيع أن أغفل أن عام 1998 قد شهد ظهور روايات “فلاش” الشهرية من المؤسسة العربية الحديثة، وهي التي ظهرت فيها قصص مصورة لشخصيات مطبوعة مصرية، رسمها الفنان خالد الصفتي، لكن الأمر لم يتبلور بشكل كامل إلا مع بدايات عام 2007، الذي أعتبره هو العام الفيصل الذي ظهرت فيه أولى رسوم الكوميكس المصرية من خلال رواية “مترو”، التي تعتبر أول رواية كوميكس مصرية، وقد ألفها ورسمها مجدي الشافعي.
وفي هذه المرحلة الأولى، كنتُ قد بدأت برسم الكوميكس في الصحافة المصرية، وذلك عبر قصة مرسومة من خلال عدة مشاهد، وكانت في جريدة “اضحك للدنيا” عام 2006، والتي كانت أول جريدة كوميدية في هذا الإطار بمصر، ولكنها ما لبثت أن توقفت عن الصدور لتوقف التمويل. وكررت التجربة مرة أخرى فى جريدة “الدستور” التي رأس تحريرها إبراهيم عيسى، حيث حمّلتُ الكوميكس طابعًا سياسيًّا في صفحة “سلطنة بورنجا” ما بين عامي 2009 و2010، وقد توقفت عن الصدور مع بداية ثورة يناير 2011، وكانت تلك هي المرة الأولى التى تنتشر فيها رسوم الكوميكس بشكل أسبوعي، وتخاطب الناس عن طريق عرض مشاكلهم بشكل دوري في الصحافة المصرية.
وتعتبر الفترة التالية، في أعقاب ثورة يناير، هي الأكثر ثراء لفن الكوميكس، حيث انتشرت رسوم الكوميكس بشكل كبير من خلال الإنترنت والسوشيال ميديا، فظهرت مجلة “توك توك” عام 2011 وغيرها الكثير، ومنذ عام 2014 أصبح هناك مهرجان “كايرو كوميكس” السنوي الكبير، الذي يلتقي فيه رسامون ومؤلفون من داخل مصر وخارجها، ليصبح لهذا الفن العظيم جمهوره العريض الذي يقدره.
هل يكفي وجود مهرجان دولي مثل “كايرو كوميكس” لضمان تعزيز هذا الفن ودعمه وترويجه في إطار الأسرة المصرية، وماذا عن سبل تطوير هذا المهرجان، وسط ما يتردد عن ضعف الدعاية ومعوّقات التمويل؟
أعتقد أن وجود مهرجان سنوي بهذا الحجم لرسامي القصص المصورة لهذه السنوات كلها على التوالي (آخر دورة للمهرجان في نوفمبر 2021) هو أكبر دليل على نجاح هذا الفن وحضوره الجماهيري، خصوصًا وسط القطاع الشبابي, وهذا لم يكن موجودًا في فترات سابقة بهذه الكيفية. وأتصور أن هناك المزيد من الآمال المتعلقة بتطوير مهرجان كايرو كوميكس، ليصير نافذة جذب لقطاعات أوسع من الجمهور، ومخاطبة كافة أفراد الأسرة المصرية، وليس فقط قطاع الشباب، وإلقاء الضوء على إبداعات الفنان، وكذلك على حياة الفنان الاحترافية، وبذل جهود أكبر في الترويج والدعاية للمهرجان ولأعمال الفنانين المشاركين على السواء، والبحث عن تمويلات لمشروعات الفنانين والإصدارات من كتب ومجلات، والإقامات الفنية، وتبادل الزيارات بين الفنانين من دول مختلفة، وتوطيد العلاقات مع المهرجانات الدولية المماثلة، ودعم النشر المستقل، وهي القضايا التي تشغل بال الكثيرين من الفنانين والمؤلفين، وفي رأيي أن المهرجان ينمو ويتطور فعلًا عامًا بعد عام، ويسير في الاتجاه الصحيح. وإن اتساع دائرة المشاركة في المهرجان من جانب الفنانين العرب والأجانب إلى جوار الفنانين المصريين سوف يكون له عظيم الأثر في نقل الخبرات والثقافات التي يعبر عنها هذا الفن الشيق المثير، الذي يحبه الصغار والكبار بل استشناء، وهو ما سوف ينعكس على الحضور الجماهيري والأسري في الأعوام المقبلة.
في ضوء متابعتك واطلاعك على أبرز تيارات الكوميكس واتجاهاته، داخليًّا وخارجيًّا، ماذا عن أوجه التشابه والاختلاف بين الكوميكس المصري/العربي، والعالمي؟
لعل التشابه الأوضح بين الكوميكس المصري/ العربي، والكوميكس العالمي، يكمن في أن كلًّا من النسقين يعبر عن واقع معين سواء من خلال الرسم والخطوط أو من خلال السيناريو، أما الاختلاف فهو أن المصري أو العربي بوجه عام يركز على شخصيات وأحداث واقعية تحمل خصوصية في ملامح الشخصيات، أما العالمي فيرتكز جزء منه على شخصيات خيالية، ومن خلالها تتحقق استمراريته، ونجد أن السينما في الخارج قد أصبحت تستلهم شخصياتها من الكوميكس، وهو ما لم نصل إليه حتى الآن.
بعد سنوات من تألق الكوميكس وتوهجه ونضجه على أيدي مؤلفين ورسامين مبتكرين، تعرض الفن لضربات موجعة، بعضها من الوجهة الفنية، أي من داخل الحقل الفني نفسه، والبعض بسبب الظروف والأوضاع المحيطة وتقلص مناخ الحرية. كيف ترى المشهد الحالي بما فيه من معوقات وإحباطات؟
لقد أسهمت الثورات العربية في انتعاش فن الكوميكس بوصفه فنًّا ثوريًّا في طابعه، متجددًا، متمردًا، شأنه شأن “الغرافيتي” وفنون الشارع، ووصل هذا الفن إلى ذروة ذيوعه وألقه في أعقاب هذه الثورات، إلا أنه لم يأخذ حقه كما يجب حتى الآن، وانتابته بعض المنغصات في الفترات الأخيرة. فلقد دخلت هذا الميدان فئة جديدة من الأعمال غير النمطية والتي حققت انتشارًا واسعًا بواسطة استخدام مشاهد من الأفلام بعد وضع تعليقات ساخرة عليها، وهو المجال الذي انتسب إليه أفراد كثيرون وأطلقوا عليه بالخطأ اسم كوميكس للأسف, وهو ما سرق الضوء نسبيًّا من فن الكوميكس الأصلي, وأصبح بمقدور أي شخص عادي يستخدم برنامج الفوتوشوب أو برامج الموبايل الحديثة أن ينجز مشاهد من الأفلام ذات تعليقات ساخرة في دقائق معدودة تمشّيًا مع الأحداث وتعقيبًا عليها، مما سحب البساط مؤقتًا من فن الكوميكس بأنواعه، بما فيها الكاريكاتير، على الرغم من أنه ما زال هو الأنسب للتعبير عن النقد الاجتماعي والسياسي، لأن الفنان هو الذي يتحكم في الخطوط المرسومة ورؤية المشهد كاملًا.
لقد صار المشهد الحالي طاردًا لفن الكوميكس بشكل كبير، وليس المقصود المناخ السياسي وحده على نحو خاص، حيث يمكن للفنان التغلب على قيوده باستخدام الرمز، وحيل وتقنيات كثيرة أخرى، لكن المشكلة الأكبر التي تواجه هذا الفن حاليًا هي المناخ الشعبي الذي أثر عليه التيار الديني المتشدد إلى درجة اعتبار السخرية والحرية والشغب التي يتميز بها الكوميكس رجسًا من عمل الشيطان، بل إنه من الممكن اتهام الفنان الذي ينتقد الموروث مثلًا بالخروج عن الدين، كما يمكن اللجوء إلى القضاء الذي يحكم على الأمور من منطلق قانوني بحت بغير مراعاة لحرية الإبداع أو حرية النقد والتعبير، مع الأخذ في الاعتبار أننى أتحدث عن وجود سقف للإبداع، لأن هناك فرقًا بين الانتقاد والإهانة.
الكوميكس المصري والعربي يركز على شخصيات وأحداث واقعية، بينما العالمي يرتكز في جزء منه على شخصيات خيالية، ونجد أن السينما في الخارج قد أصبحت تستلهم شخصياتها من الكوميكس، وهو ما لم نصل إليه حتى الآن.
الفن هو البذرة الأولى للتغيير واكتشاف القدرات الكامنة لدى الإنسان، و”الكوميكس” هو الفن الأنسب للتعبير عن النقد الاجتماعي والسياسي.
الصورة: عن “الوفد” المصرية
يمكن اتهام الفنان الذي ينتقد الموروث مثلًا بالخروج عن الدين، كما يمكن اللجوء إلى القضاء الذي يحكم على الأمور من منطلق قانوني بحت بغير مراعاة لحرية الإبداع أو حرية النقد والتعبير، مع الأخذ في الاعتبار أننى أتحدث عن وجود سقف للإبداع، لأن هناك فرقًا بين الانتقاد والإهانة.
cartoonmovement.com
كيف ترى مسار الكوميكس في ظل هذا المناخ الطارد.. وهل سيصمد الفنانون الشباب في معركة التعبير عن أنفسهم؟
على الرغم من هذه المعوقات كلها، فإنني أرى في المحصّلة أن فن الكوميكس لا يزال يتجه نحو هدفه، فالفن الذي وصل إلى شباب الثورة، والذي جعل الملايين يشعرون بأهمية الفنون في التعبير عن الواقع، والذي انعكس في مجلات متخصصة إلكترونية وورقية مثل “توك توك” و”الفن التاسع” و”مجنوون” و”جراج” وغيرها، لن يقبل بالتراجع، وستكون السوشيال ميديا أداة لعودة انتشاره وتأثيره بشكل كبير.
أعتقد أن الفترة المقبلة ستشهد نهضة كبيرة للكوميكس بأيدي الأجيال الجديدة من الفنانين الذين أصبحت لهم منصات معروفة على مواقع إلكترونية، وصفحات فردية وجماعية منتشرة، ومهرجان سنوي يستقبل جديدهم، وهي أمور محمودة تنبئ بمستقبل أفضل لهذا الفن في غضون فترة وجيزة، وستمّحي آثار أيام التراجع التي لن تدوم طويلًا. من المشكلات الأخرى كذلك، أنه لا تزال حتى الآن هناك مسافة بين الفئات المهمشة في المجتمع وبين بعض فئات الكوميكس، بخاصة فئة القصة المسلسلة، التي يحترف رسمها وتأليفها الكثير من الفنانين الشباب الآن, إلا أن المشهد الواحد وأقصد الكاريكاتير لا يزال هو الأقرب للفئات الدنيا في المجتمع، والتي تعاني دائمًا ولا تجد من يصغي إليها، حيث تمتاز فكرة اللقطة الواحدة بأنها تُرسم بسرعة، فيمكن نشرها بشكل سريع، وهذا يجعلها تستطيع اللحاق بالأحداث، بعكس القصة المسلسلة، التي تحتاج إلى وقت أطول في التأليف والرسم والنشر.
خاص مجلة قنآص
شريف الشافعي؛ شاعر وكاتب من مصر.صحفي بمؤسسة “الأهرام”؛ رئيس القسم الثقافي ومسؤول النشر والديسك المركزي في بوابة “الأهرام” الإلكترونية.