قصائد من ديوان «نامي لأحلم» | راسم المدهون
أريد
-1-
أريد أشياء لم أكن أريدها
أن تهاجر النساء معا نحو مدينة غامضة
لينسين عنوان بيتي
ويحرقن غيرتهن في مواقد الحطب
وأريد بحرا من خمر أزرق
لا زبد فيه
ولا موج تصعده المراكب
بحرا يليق برجل كسول
وعاشقة لا همَ لها غير أن تحدق فيَ
أريد مساء بطعم قهوة الصباح
يردُ التحية حين أمرُ به
ثم يغرق في الصمت
أنا لا أريد سوى امرأة واحدة
وسأترك كل النساء لأشغالهن المنزلية
امرأة واحدةٌ نؤوم الضحى
وتترك أصابعها على مقبض قلبي
قبل أن تنام
وحين تنام تلهث في سهري كالنساء ..
أريد أشياء لم أكن أريدها تماما
حانة في حجم راحتي
يراها العابرون
ويعرفون أنني “صاحبها وشاربها”
ويقلعون عن رغبتهم في منادمتي
ويتركونني لامرأة لا تشبه النساء
أقنعها بين لحظة ولحظة أن تقول أحبك
لا لشيء
ولكن لكي أقول لها أحبك أيضا
وأيضا ..
وأريد أن أصرخ في منتصف الليل
ر
و
ر
ا
فيسقط صوتي على لوحة بيضاء ترسمينها
أحدق فيها وأضحك
كيف ترسمين إسمك ؟
لا بل كيف ترسمين صوتي ؟
وأعرف
لا امرأة من أبنوس الأنوثة تشعلني
آخر الليل سواك
وتعرفين أنت
لكنك تنامين في سرير الغنج
واثقة أنني لن أنام
أنا منذ قالت الريحُ رورا
نهضت من النوم أهتف
رورا
ورأيت النساء يرمين ما في أيديهن
ويلتفتن في اتجاه الصوت والإسم
وأذكر أن امرأة أتت من آخر الأرض
كي ترى بأم عينها
كيف تكون المرأة رورا هكذا
ولم أجب
قلت رورا
ومضيت أحبك
هل أحبك ثانية ؟
-2-
لا ماء في مزهرية المساء
رأيت غناء خافتا يتأرجح كالظلال
تخيلته شجرا لاحتفال العصافير
تطلق منه أناشيدها
فأصغيت
فلم أجد العصافير
ولا الشجر
لكن الظلال وحدها
كانت تتخايل
بين مزهرية لا ماء فيها
وبين العصافير والأشجار
ووحدي أحدق
ربما محض خاطرة
أو ذبالة وهم
أنا الذي قلت في قصيدتي الأخيرة
أنني أريد
وكان فمي مزدحما بالكلام
قلت أريد
لم أنتبه أن زمانا طويلا
طويلا
ربما ينام في سرير لحظة
حين أنت تذهبين فجأة
( سأطمئن نفسي وأقول تعودين فجأة )
لا مساء لي
لا ماء قي مزهريته
وربما أتخيل أن مزهرية هناك
فأرسم ماء
وأنتبه
الماء لا لون له
كيف سأرسم الماء ؟
تذكرتُ
سأرسم عطش الزهور
لكي أرى صورة الماء غائبة في شقوق العطش
ثم أمضي إلى آخر الأغنيات القصيرة
كنت كتبتها مرة
قلت لم تكتمل
وتخيلتها سوف تكتمل
قليلا
قليلا
وعلى مهلها
دعي يدك الصغيرة على مقبض الباب
ودعي الباب كما تتركينه عادة
ربما أمرُ من هناك
وفي فمي تزدحم الأغنيات
ربما تكتمل
أعرف
سوف تستعير خيالا جديدا
وتمشي إلى حيث أنت
هل المزهرية تعشق الكلام كالورد
أريد مساء لنا وحدنا
مساء تنام الورود في مزهريته
وتلوِح الأشجار كي تنهض العصافير من نومها
وسأكتب عندها قصيدة جديدة
وأقول أريد
وأعرف حينها أن الأرض تفهم ما أقول
وتعرف ما أريد
-3-
أعرف أن الأفق نافذة ضيقة
وتضيقُ
وأن السماء سقفٌ بعيد
ولكنني أصعد سلالم الحلم
لأطل من النافذة الضيقة
وتأخذني الدهشة
تهمسين أنك خائفة من الإقتراب
هل أعود من حيث جئتُ
هابطا سلالم الحلم ؟
لو هبطت سلالم الحلم أرى حلما مقلوبا
يبدأ من نهايته
ويذهب نحو البداية
حيث الأفق نافذة ضيقة وتضيق
وأنا أحب البدايات
مفتوحة على الريح
والبحر
والنوارس
فأنا أعرف أنك امرأة بحرية
أتيت من الماء
رأيتك بأم حلمي
فتوغلت في الطريق اليك
رأيت دروبا من غبار
وأخرى يهرب العابرون منها
يقولون لا يعود منها الذين يعبرون
قلت دروبكِ
أنت المرأة المستحيلة
هل لا تزالين خائفة من الاقتراب مني
وتذهبين للقصيدة وحسب ؟
أم أنني حين يضيق الأفق أكثر
أصعد نحوك نافذة السماء
لأرى امرأة في إطار من اللازورد
والنجوم
تتأمل في كتاب بهجتها
لا تقوم
ولا تنام
هل كنت تحلمين ؟
أم تكتبين كلاما عن الحلم ؟
في الحالتين أنت هنا
ترفعين عينيك نحو نافذة ضيقة
وتبتسمين
تقولين :
أيها الشاعر المتسربل بالريح
والقصائد
هل جئت على سلم حجري
أم صعدت على سلالم الكلام ؟
سيدتي
أنا رجل من كلام وحلم
رأيت العشاق يفرون من دروب
يقولون لا يعود منها من يعبرون
فآثرت أن أعبر
قلت أنا لا أريد أن أعود
أريد أن أظل معلقا بين السماء والأرض
بيني وبينك سلالم الحلم
هل تخافين أن تقتربي ؟
هل تريدين أن أبتعد ؟
راسم المدهون: شاعر وكاتب فلسطيني، والقصائد من مجموعته الجديدة “نامي لأحلم؟”، منشورات مكتبة كل شيء– حيفا (2022).
قصائد ونصوص روعة في الجمالية والحس المرهف.. بوح عميق وهمس لا تلتقطه إلا أذن نرجسية.
هو هكذا شيطان الشِعر ينام معك ليوقظ فيك الحلم والشهوات.. في كل قصيدة متعة وفي كل صورة جمال. أنت شاعري الكتابة والروح.
بالتوفيق
كل الشكر لذوقك واهتمامك. تحياتي واحترامي