ديوان «القاهرة» للشاعرة المصرية هدى عمران صدر حديثا عن سلسلة الإبداع الشعري التابعة للهيئة المصرية العامة للكتاب. قصيدة «التجربة» تأخذنا إلى عوالم ظاهرها باطن، تدخلنا في التجربة لإعادة تجربتها؛
قصيدة «التجربة» من ديوان «القاهرة» للشاعرة المصرية هدى عمران:
أيها الموت ستنجو
ستركض في هذه الأراضي الساخنة
نحو الأرواح الحرة
وتحتضنها بكل شوق
نحن النائمون في بحيرات الأرق على الليل
المعطوبون من سوء الاستخدام في الصِغر
العاطفيون لدرجة إذابتنا على الطرق
المحرومون دائمًا من شيء غامض وساحر
سنعبر للضفة الأخرى
وننسج منك صورة أبدية للمتعة والعذاب.
…
في الصباح، ترمي القاهرة أشباحها علينا
كائنات تحوم حول عقلي المجنون
هؤلاء أبناء المدينة الحقيقيون
جلودهم هلامية وصفراء
عيونهم باهتة وتافهة
هذه القلوب من قماش رخيص ومبهرج يحوي داخله لا شيء
وحتى المدن
وهي العمياء
تقدر على رؤية الضباب والبرد والوَحشة
وكل هذه الأشياء “الضباب والبرد والوَحشة” أبناء الموت
والموت إله قديم، يرسو بأقدام ثابتة على الأرض
وله بحاره العميقة، محبينه ومريديه ونحن لن نجادل في ذلك
كلنا نحوي الموت ونسير به في هذه الشوارع.
لكن هؤلاء الذين بلا أرواح قديمة، بلا موت ولا حياة
ركبوا يومًا ما فوق ظهورنا وقايضوا عيوننا بالخبز
نحن أبناء الحياة، أبناء الهامش والغرابة
عرفنا أن ليس الوهم فقط
مَن يمسك يد العمى،
الانحطاط أيضًا.
…
المدينة غارقة في البرد
والقلوب خرجت ذابلة
غارقة في الرصاص الذي تحول لنار في عيون الأحبة
في الأماكن التي وددت أن أحب فيها
أشخاصا كثيرين
أن أهبهم فيها كل سعادتي وأحطمهم من فراقي
وأتحطم عليهم
كل هؤلاء الموتى كانوا سيصبحون عشاقي
كانوا سيصبحون أولادي
ويدي الكبيرة التي كنت سأضعها على رؤوسهم بحنان
أصبحت يدًا غاشمة
بطونهم الصغيرة ملأها الجوع للأبد
وعظامهم تعرت
لم تسترها الأرض
وهذا الرُكام من البشر لم يخجل
وأنا مازلت أمشي هنا
وأجعل من القاهرة رغيفًا وسريرًا ونديمًا.
مدينتي مليئة بالنباح
كأنها ذاكرتنا جميعًا
خرجت لتعوي في البرد
هذه كلاب القاهرة التائهة
كانت تركض خلف الأمل
– حتى لو باعت كل شيء بالألم والغناء الساذج –
في شوارع خلفية
في معارك متوحشة،
مع البوليس والدين والعائلة
كأننا شربنا التجربة على مرة واحدة،
لننهزم جميعًا
ويكسب اليأس
الجوع سيحتلنا للأبد كانت لعبة قمار بنت حرام.
* ديوان «القاهرة» للشاعرة المصرية هدى عمران صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2022.
قاهرة المعز حنين عجيب، بلا تفسير