وضّاح أبو جامع يصدر ديوانه الأول: عالمٌ محقونٌ بالبوتوكس
صدرت عن منشورات راية في الشارقة، المجموعة الشعريّة الأولى للشاعر الفلسطيني المقيم في بلجيكا وضاح أبو جامع. تنقسم المجموعة إلى أربعة أبواب تتنوّع فيها القصائد في هيئة كولاج شعريّ يدعو إلى تأمل التجربة الشعريّة التي يقدّمها لنا الشاعر في عمله الأول سواءً من اختيار العنوان، أو تقسيم الكتاب إلى اربعة أقسام: طلاقٌ مبكّر في مدينة تقع على شواطىء المخابرات، سائحٌ على وشك اللجوء، صورة أخيرة لفأس على الأسرّة، جرحٌ أنا كفه، أو اللغة التي جاءت متقشّرة من الشيفرات الأخلاقية المحمّلة بها لغة الفلسطينيّ عندما يكتب.
بين قصائد قصيرة بحجم قصيدة هايكو، وقصائد متوسّطة وأخرى طويلة، يضعنا هذا الكتاب أمام مواجهة حقيقية وصادمة مع مفهوم اللغة ووظيفتها من حيث قدرتها على أن تكون منزلا، تحديدًا الوجود الفلسطينيّ-الغزيّ والتأكيد على أنها ليست مجرد وسيط بين عالمين، بقدر ما هي العالَم نفسه.
ما يميّز لغة هذه القصائد هو قدرتها على الإفصاح والكشف بكلّ بساطة، تنحو نحو غريزتها بالنجاة من محرقة الجمعيّ ومحرقة الفرديّ، مخاطرةً بالعالم اللغوي الفلسطينيّ المثالي، الأنيق، الذي يثبت صموده من خلال معجم رصين يخاطبُ جمهورًا رصينًا يملك خطابًا واحدًا ومعجمًا واضحًا. هذه القصائد تنجحُ في الفكاك من نظام سلطويّ لغويّ وأخلاقيّ نألفه جيدًا. تستخدم الغريزة والفطرة لصوت فرديّ-جمعيّ فاقد للأمان: هو صوتٌ يتشكّل حضوره من لجوء وكتابة ذاكرة مأساويّة تحاول أن تتجرّد من رداء مأساتها متّخذةً من حواشي الفكاهة والشكّ والاضطراب مرتعًا لمأساة تسوح فيها. هذا إلى جانب هذه القدرة على جلب اللغة وتحرّكها بحريّة وعفويّة في اتجاه بناء أفقٍ يخصّها، ويخصّ رؤية الشاعر للمكان والذات والموجودات من حوله والتي تبني عالم القصيدة.
ولعلّ هذه القصائد تشكّل مقولة أولى في مسيرة الشّاعر، ومسيرة المكان الفلسطينيّ القادم منه، في اعلان طلاق منه، وبداية رحلة لجوء في الأمكنة الواسعة واتّساع الجرح الهوياتي وتمدّده في قلب اللغة التي تصيرُ مسكنًا للأسئلة ومسكنًا لذاكرة عابرة وعرضيّة وطارئة على العالم، لكنّه عرضٌ مقصود يؤسس لهوّة جديدة بين الإنسان وأمكنته.
هذه البساطة في عمقها اعلانٌ عن استمراريّة، عن جرحٍ مفتوح لا يقبل أن يلئتم وعن عالمٍ بلاستيكيّ جديد يصارع عالمًا قديمًا في جعبة الشاعر، حتى تظّل اللغة مفتوحة على جرح المكان وتظلّ المقولة مفتوحة على تأويل الهويّات الفلسطينيّة القديمة منها والراهنة..
من قصائد الكتاب نقرأ:
كل خلاياي ميتة
بدا لسماري بأنكِ خلطة
من النصف ليمونة في ثلاجة صدرك
وزنجبيل أصابعكِ المطحون
نشدُ بشرة العالم
ونقضي على تجاعيد
الحب
في مخيلة
الزواج
••
لديّ صُور
لفدائيين سرقت الحرب
سيقانهم
قبل أن تنبت
وصورة لحبيبتي وهي عارية
قبل أن ترتدي
ملابسها
لدي صورة مصغرة عن الحياة قبل أن تتسع
مني
وواحدة كبيرة عن الحب
قبل أن يصغر
وصورة أشعة لصدري قبل أن أدخن
لذلك على اسرافيل
أن لا ينفخ بقوة
في الصور
••
ما زلتُ أفضل بولينغ الحارات
على الذهاب للصالات المُغلقة يومَي
السبت والأحد
في أوروبا
أريدُ
القواريرَ البلاستيكية الفارغة
وكومةَ الرمل المُلقاة
على حوافّها
أريدُ أن أصلبَ ظهور الأصدقاء الذين ركضوا هربًا
بالكرة المطاطية.
••
لو كانت حياتي
أقل رصاصًا
وحرائق
لما خطر برأسي صورة
عن الحزام الناسف
سوى الطريقة التي تُديرين بها حمالة صدركِ
جهة الخصر
كي تخلعيها.
***
«عالمٌ محقونٌ بالبوتوكس» للشاعر الفلسطيني وضّاح أبو جامع