حوار مع مترجم رواية «طير الليل» أليكس الينسون
ترجمة عاطف الحاج سعيد
يتحدث المترجم أليكس الينسون في هذا الحوار الذي نشر في موقع ArabLit بتاريخ 14 يناير 2025م عن كيف رغب في ترجمة رواية (طير الليل) للروائي الجزائري عمارة لخوص حتى قبل أن يعرف بوجودها، وعن ترجمته لها في حوار مع نظرائه الإيطاليين والفرنسيين، وعن الكتب الأخرى التي كانت حاضرة في ذهنه أثناء ترجمته لهذه الرواية «الجريئة، القوية، المندفعة».
***
فال الدين: متى صادفتَ أعمال عمارة لخوص لأول مرة، ومتى قلت في نفسك: نعم، هذه لي، أريد أن أترجمها؟
أليكس الينسون: أردتُ ترجمة رواية «طير الليل» قبل أن أعرف حتى بوجودها! التقيتُ بعمارة لخوص لأول مرة عام 2016م في فعالية أقيمت في مركز ألوان للفنون بمدينة نيويورك، حيث كان يقرأ ويتحدث عن ثلاث من رواياته: (صدام الحضارات فوق مصعد في ساحة فيتوريو)، و (خلاف حول خنزير صغير جدًا إيطالي جدًا)، و(طلاق على الطريقة الإسلامية)، وكلها كانت قد تُرجمت حديثًا إلى الإنجليزية من لغتها الأصلية، الإيطالية. منذ ذلك الحين، قدّمتُ أعماله في العديد من المقررات التي أدرّسها في كلية هنتر. كما دعوته مرارًا للحديث مع طلابي حول موضوعاته المتكررة؛ الهجرة، والعولمة العابرة للحدود، والتعدد اللغوي، والترجمة، والترجمة الذاتية. وبعد سنوات من تدريسي لروايات عمارة الإيطالية (بالترجمة الإنجليزية) وتمنّي أن يكتب شيئًا بالعربية أتمكن من ترجمته، نشر عمارة في عام 2019 رواية (طير الليل). أنا من عشّاق أدب الجريمة البوليسية الصلبة، وما إن قرأتُ الجملة الأولى حتى أسرتني تمامًا! فإلى جانب البنية السردية التي تستحضر إلى الذهن أفضل كتاب الرواية السوداء حول العالم، فإن الرواية تقدم غوصًا عميقًا وبديعًا في تاريخ الجزائر خلال نصف القرن الأخير، وسردًا شيقًا وسهل القراءة لنضال الجزائر من أجل الاستقلال عن فرنسا، ذلك النضال الذي كان نموذجًا للحركات الثورية في أنحاء العالم خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين، ثم انحدارها إلى الفساد والعنف. إنها قراءة سريعة الإيقاع تدرس هشاشة الحركات الثورية الشعبية، وكيف يمكن إعادة إنتاج الأنظمة التي سعت للإطاحة بها.
فال الدين: هل أصبح هذا المشروع رباعي الأطراف، بما أن عمارة يعمل ليس فقط معك، بل أيضًا مع المترجمين الفرنسي والإيطالي؟ وهل تتواصل معهم أنت أيضًا؟ وكيف يغيّر ذلك عملية الترجمة (والنتيجة النهائية)؟
أليكس الينسون: الجزء الأكبر من العمل على الترجمة الإنجليزية تم عبر الحوار مع عمارة وحده. لكن، في مرحلة ما من العملية، بدأنا نحن الأربعة؛ عمارة، ولطفي نية (الفرنسية)، وفرانشيسكو ليجيو (الإيطالية)، وأنا، في النقاش ومقارنة استراتيجيات وحلول الترجمة. بعض النقاشات كانت تقنية، ركزت على اختيار الكلمات، وبنية الجمل، وعنوان الرواية، وتهجئة الأسماء الشخصية وأسماء الأماكن، وطريقة عرض التاريخ الجزائري. لكن تناولت نقاشاتنا وتبادلنا للآراء أيضًا موضوعات أكثر تجريدًا، مثل الطرق المختلفة التي قد يتلقى بها قراء الفرنسية أو الإيطالية أو الإنجليزية رواية مكتوبة بالعربية، وكيف يمكن لمجتمعات لغاتنا المختلفة أن تتفاعل مع التاريخ الاستعماري الذي يشكل جزءًا كبيرًا من ماضي الجزائر وحاضرها. يقال كثيرًا إن الكتابة والترجمة أعمال فردية، لكن العمل على هذه الرواية كان أبعد ما يكون عن العمل الفردي، وأعتقد أن الترجمات أصبحت أكثر ثراءً بفضل ذلك.
فال الدين: ما نوع الجمهور وردود الفعل التي تتوقعها لهذه الرواية عند صدورها بالإنجليزية؟ وكيف تراها تتحاور مع الأعمال الأخرى في المشهد الأدبي الإنجليزي (أو السينمائي أو المسرحي)؟ ماذا تضيف، وماذا قد تلهم؟
أليكس الينسون: سيقدّم هذا الكتاب للقارئ الإنجليزي رواية جريمة مشوقة وسريعة الإيقاع تضاهي أفضل ما كُتب في هذا النوع الأدبي حول العالم (ليوناردو شاتشّا، جورج سيمينون، أرنالدور إندريداسون، أنيتا ناير). سيكون إضافة مرحّب بها إلى رصيد الأدب العربي المعاصر المترجم إلى الإنجليزية، من أحد أكثر الكتّاب الجزائريين إثارة للاهتمام. من الناحيتين الأدبية والتاريخية، ستجد الرواية مكانًا سريعًا لها في عدد لا يحصى من المناهج الجامعية التي تتناول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، والحركات الثورية وخيبات الأمل التي لحقت بالاستقلال، والآداب ما بعد الاستعمار، وغير ذلك. تشير الرواية بشكل مباشر إلى فيلم جيّلو بونتيكورفو معركة الجزائر (1966م)، ويتناول العديد من القضايا نفسها، بما في ذلك وحشية الحكم الاستعماري الفرنسي، والرد الجزائري الوحشي بدوره على تلك الوحشية، وهو ما أفضى إلى جزائر مستقلة لا تزال تكافح لإيجاد طريقها.
فال الدين: هل يمكنك التحدث قليلًا عن المشهد الصوتي للرواية، وما الذي أردتَ إعادة خلقه في الإنجليزية؟
أليكس الينسون: كما قلتُ سابقًا، كنت من المعجبين بكتابة عمارة قبل أن يكتب (طير الليل)، التي أطلقنا عليها مؤقتًا بالإنجليزية اسم (The Fertility of Evil ) وبنوع الرواية السوداء عمومًا. لا بد لي أن أعتقد أن عربية عمارة متأثرة بجميع اللغات التي يتحدثها ويقرأها ويكتب بها؛ القبائلية، والعربية، والإيطالية، والفرنسية، والإنجليزية. على المستوى النوعي، تبدو العربية هنا كما نتوقع من رواية جريمة سوداء عن تحقيق في جريمة قتل، جريئة، قوية، مندَفعة. وكما يستعين الكاتب بخبراته اللغوية، كذلك يفعل المترجم. وأنا أقرأ النص العربي، لم أستطع إلا أن أسمع الإيقاعات والنبرات المميزة لكتّاب الرواية السوداء الذين قرأت لهم بالإنجليزية، مثل داشييل هاميت، ورايموند تشاندلر، ووالتر موزلي، وغيرهم. أردت أن أعيد خلق الاقتصاد اللغوي والإيقاع الحاد المقطّع الشبيه بطلقات الرصاص، وهو السمة المشتركة لهؤلاء الكتّاب، ما ينتج جملًا قصيرة وقوية تصيب القارئ مباشرة في الصميم.
فال الدين: ما الكتب الجزائرية الحديثة الأخرى التي استمتعتَ بها؟ وخصوصًا طبعًا تلك التي تقع ضمن أدب الجريمة أو الرواية السوداء، وربما لا نعرفها؟
أليكس الينسون: يبدو أن كل ما قرأته مؤخرًا من الجزائر هو روايات سوداء أو روايات جريمة! مثل أعماله الأخرى، فإن رواية عمارة لخوص (خدعة العذراء الصغيرة الصالحة في شارع أورميا) هي رواية من نوع «من فعلها؟»، تتناول قضايا التعددية الثقافية، والتعدد اللغوي، والعنصرية، وأسئلة الهوية الوطنية، وكل ذلك بأسلوبه المعتاد في الملاحظة الدقيقة للتفاصيل، وحسه الفكاهي المميز، وقدرته الفطرية على سرد قصة رائعة. رواية كمال داوود (مورسو، تحقيق مضاد)، وهي نص معارض لرواية ألبير كامو الغريب، تستعين بجريمتي قتل؛ مقتل «العربي» المجهول الاسم في رواية كامو (الذي يُمنح اسم موسى في رواية داوود)، وقتل هارون شقيق موسى لمستوطن فرنسي عام 1962م، لتحدي الصمت والتغييب الذي تعرض له موسى على يد الفرنسيين قبل الاستقلال، وكذلك انزلاق الجزائر نحو العنف والظلم بعد الاستقلال. الكتاب آسر ومبدع في تأكيده على الهوية الجزائرية وكشفه لطمسها في مواجهة الاستعمار الفرنسي وتبعاته. كما أنني أنهي حاليًا العمل على ترجمة رواية سعيد خطيبي (نهاية الصحراء)، التي فازت بجائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع المؤلف الشاب عام 2023م. تدور أحداث الرواية حول مقتل مغنية ملهى محلي، وتقع في الأربعين يومًا التي سبقت اندلاع انتفاضة أكتوبر في الجزائر في 5 أكتوبر 1988م. جاءت تلك الانتفاضة تتويجًا لسلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأدت إلى قدر محدود من الإصلاح الديمقراطي ونهاية حكم الحزب الواحد لجبهة التحرير الوطني التي هيمنت على السلطة منذ استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962م. لكن للأسف، لم تدم الإصلاحات الديمقراطية ولا حقبة التعددية الحزبية في أوائل التسعينيات طويلًا بعد صعود الإسلام السياسي، وإلغاء الحكومة للانتخابات، واندلاع ما سُمّي بالعشرية السوداء في الجزائر، التي أودت بحياة مئات الآلاف. تلك الأيام الخريفية من عام 1988م، التي شكّلت خلفية نهاية الصحراء، كانت نقطة تحول في المسار التاريخي للجزائر، لم تتعافَ البلاد منها حتى الآن. وستُنشر الترجمة عام 2026م عن دار بيتر ليمون برس.
*تمت ترجمة الحوار بتصريح من موقع ArabLit
الروائي والمترجم السوداني عاطف الحاج سعيد















