أحبار التُرجُمانمكتبة بورخيس

قصائد للشاعر الأمريكي ألبرتو ريوس.. منزلٌ يُدعى الغد | ترجمة سارة حبيب

عمركَ مئةُ قرنٍ جامح.. وأولئك الذين أتوا قبلك؟ عندما تسمع صوت الرعد، اسمعه على أنه تصفيقهم لك

ألبرتو ريوس

ألبرتو ريوس (Alberto Ríos) شاعر وكاتب قصة قصيرة أميركي معاصر. من مجموعاته الشعرية: مسرح الليل (2006)، القميص الخطير (2009)، قصة صغيرة عن السماء (2015). نال ألبرتو ريوس في عام 1981 جائزة والت ويتمان عن مجموعته «الهمس من أجل خداع الريح». نال جائزة بوشكارت لست مرات عن فئتي الشعر والقصة.

***

منزل يُدعى الغد

أنتَ لستَ في الخامسة عشرة، أو الثانية عشرة، أو السابعة عشرة من عمرك ـــ
عمركَ مئةُ قرنٍ جامح

والخامسة عشرة، تجلب وإياك
في كل نفس وفي كل خطوة

كلَّ من جاءَ قبلكَ،
كلَّ «أنتَ» كنتَها يوماً،

أمهاتُ أمك،
آباءُ أبيك.

وإذا كان شخص في شجرة عائلتك مثيراً للمشاكل،
فإن مئة لم يكونوا كذلك:

السيئون لا ينتصرون ـــ ليس في آخر الأمر،
مهما علا صوتهم.

ببساطة ما كنّا لنوجد هنا
لو أنهم ينتصرون.

أنت مصنوع، في جوهرك، من الطيبين.
ومع هذه المعرفة، أنت لا تمشي وحيداً قط.

أنتَ أخبار القرن العاجلة.
أنتَ الصالح الذي مضى قدماً

متجاوزاً كلّ شيء، حتى لو أن أياماً كثيرة جداً
بدتْ عكس ذلك. لكن فكّرْ:

عندما تعلمتَ الكلام وأنتَ طفل،
لم يكن ذلك لأنك لم تكن تعرف الكلمات ـــ

بل أنت، من القرون، عرفتَ الكثير منها،
وكان من الصعب فحسب اختيار الكلمات التي ستكون كلماتك.

من تلك القرون نجلب معنا نحن البشر
الحلولَ البسيطة والأغنيات،

جسور الأنهار والخرائط النجمية وإيقاعات الأغنيات
كلّها في خدمة فكرة بسيطة:

أنّ بوسعنا صنع منزلٍ يُدعى الغد.
وما نجلبه، في النهاية، إلى اليوم الجديد، كلّ يوم،

هو ذواتنا. وهذا كلّ ما يلزمنا
لنبدأ. هذا كلّ ما نحتاج إليه لنستمر.

لا تنظر إلى الوراء إلا بقدر ما يتوجب عليك ذلك،
ثم امضِ قدماً إلى التاريخ الذي سوف تصنعه أنت.

كن جيداً، ثم كن أفضل. ألّفْ كتباً. عالجْ أمراضاً.
اجعلنا فخورين بك. اجعل نفسك فخوراً.

وأولئك الذين أتوا قبلك؟ عندما تسمع صوت الرعد،
اسمعه على أنه تصفيقهم لك.

أخذُ قياساتك الأولمبية

فكّرْ بالأرقام القياسية التي أحرزتَها:
لثانية واحدة، كنتَ أصغر شخص في العالم.

كان ذلك منذ وقت طويل، لكنْ لا يهم.
في هذه اللحظة، أنتَ تعيش

في أبعد جزء من الألف من الثانية في تاريخ الزمن.
لقد حطمتَ رقم البارحة القياسي، مرة أخرى.

ربما كنتَ المشترك الوحيد،
لكنْ في سباق الوصول من غرفة نومك إلى الحمام،

ربحتَ.
أنت تربح الكثير، طوال الوقت وفي كلّ الأشياء.

قلبك يَخفق ببساطة ويَخفق ويَخفق ـــ
إنه لا يخسر، رغم أنه ربما يفعل ذلك يوماً ما.

مع ذلك، قوائم الأشياء التي قد تكون الأول فيها لا نهاية لها ـــ
القيام بما لم تقم به من قبل.

تذوقُ شراب الساكي وصلصة المولي، شمُّ ليمون البرغموت، أن تسمع
أسوأ مما كنتَ تسمع قبلاً ـــ

ليست كل الأرقام القياسية ملائمة لسجل القصاصات بالطبع ـــ
أحياناً أنت الأفضل في كونك الأسوأ.

بعض الأرقام القياسية سرية_أنت تعرف أيّها.
بعض الأرقام القياسية حتى أنت لا تدركها.

لكن، في العموم، في نهاية يوم طويل، أنتَ ـــ
بقدر ما يبدو هذا غير محتمل الحدوث ـــ
حاملُ الرقم القياسي الجدير بالذكر.

المدن التي في داخلنا

نعيشُ في مدن سرّية
ونسافر في دروبٍ لم تُرسَم في الخرائط.

نتبادل بيننا كلماتٍ نستطيع تمييزها
لكنْ لا يمكن البحث عنها في القواميس.

إنها كلماتنا.
وهي تأتي من مكان بعيد جداً داخل أفواهنا.

أنت وأنا، المواطنان السرّيان للمدينة
التي في داخلنا، وإلى داخلنا

تذهب كلّ السيارات التي قدْناها
ورأيناها، وهناك يوجد كلّ البشر

الذين نعرفهم والذين عرفناهم، هناك
توجد كلّ الأماكن التي هي قائمةٌ الآن

إنما كذلك تلك التي كانت في السابق. هذا هو المكان
الذي ذهبتْ إليه. إنها لم تختفِ.

كلّ واحد منّا يأخذ قطعة
من خلال العين ومن خلال الأذن.

الصوت عالٍ داخلنا، هنالك في الداخل، وعندما نتحدث
في العالم الخارجي

علينا أن نأمل أن بعضاً من ذلك الصوت
لا يخرج، أن ذراعاً

لا تمتدّ
بدلاً عن اللسان.

بعد خمس سنوات

لقد كنتُ، والآن صرْت.
الكثير متضمّنٌ في قول تلك الكلمات القليلة.

أحياناً يكون هذا التغيير عذوبة،
قبلة، تربيتة. أحياناً،

لا شيء يحذّرنا منه. لا يمكن أن يخطر في بالنا.
إنه يُفعَل بنا. مسدّس،

زلزال، فيضان_أيٌّ من
أهوال هذا العالم العنيفة.

في مثل تلك الأمثلة، لم نرغب بذلك التغيير،
لا يتسنّى لنا أخذ نفس عميق،

إنها ببساطة نهاية فصل
والصفحة رقم 1 من الفصل التالي. لقد أُلقي بنا

إلى المياه العميقة ونحن غاضبون،
نحن غاضبون، نحن غاضبون.

لم نكن نستطيع السباحة، لكننا الآن نسبح ـــ
علينا أن نسبح.

ليس هذا عادلاً. لا يكون الأمر عادلاً قط.
لا فرصة لدينا لنكون جزءاً من القرار

الذي يغيّرنا.
لقد كنّا، ومن ثم صرْنا. وللأسف،

لسنا لوحدنا. إذا كان واحد منّا،
فإنه جميعنا، الكثير جداً منّا.

لقد كنّا، والآن صرْنا.
عذوبة أو قسوة، مباغَتَة، صدمة،

لمسة خشنة يمكن أن تكون أيّاً من ذلك:
لقد تغيّرنا.

إذا كانت قبلة، تنقلب حياتنا بشدّة
نحو الخفّة.

لكن عندما لا يكون التغيير عذوبة، لا يكون قبلة،
نعيش بقية حياتنا كشخص آخر،

إنما شخص لا يزال نحن.
لو كان لدينا مسدس، لأنه كان لدينا مسدس في السابق،

لو سارت الأمور على نحو مختلف، على نحو أفضل،
لو أن إعادة التأهيل كانت أكثر فعالية،

لو أن الله تدّخل، لو أن أحداً ما سمعَ:
لكنّا نعيش في العالم النظاميّ.

لكان بوسعنا أن ننظر إلى الأرانب قرب الطريق السريع
والجبال الزرقاء الوعرة في البعيد

مثل أيّ شخص.
لكننا بعد خمس سنوات من حدوث شيء ما لنا

لم نعد الـ أيّ شخص.
الأرانب البرية وجبال توسون_

نحبها، ليس بسهولة إنما بشراسة، بشراسة
بالطريقة الجديدة التي توجّب علينا إيجادُها.

نحبها بوصفنا ما صرنا عليه الآن.
نحب لأن ذلك هو ما تبّقى.

*****

قصائد للشاعر الأمريكي ألبرتو ريوس.. منزلٌ يُدعى الغد؛ ترجمة سارة حبيب

سارة حبيب كاتبة ومترجمة سورية. إجازة في اللغة الإنكليزية، ماجستير في اللغويات التطبيقية. صدر لها ديوان واحد بعنوان”النجاة حدث مملّ للغاية” عام ٢٠١٧.

الفلسفة

خاص قنّاص – أحبار الترجمان

المحرر المسؤول: زاهر السالمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى