حوار: سامر أنور الشمالي
فازت الكاتبة والروائية المصرية علياء هيكل بالمركز الأول لجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في دورتها الثالثة عشر، وذلك عن روايتها “الخروج من البئر”، التي أتت تتويجا لأعمالها، لاسيما في مجال الرواية.
رواية الخروج من البئر لـ علياء هيكل، التي يتخطى أبطالها حدود الجغرافيا المحلية طالما الأحداث تقع في مجموعة متعددة من الدول، حاولت فيها الكاتبة تقديم صورة كبيرة للعالم، ولكن كما تراه، ومن وجهة نظرها الخاصة، وهي تشتغل على القيم البشرية التي لا تتبدل بتغير الأمكنة، ومن هذه الزاوية رسمت طريقها في عالم الأدب.
هنا حوار معها:
*خرجت الرواية والقصة من مصر مع الرواد والمؤسسين، وأذكر على سبيل المثال: طه حسين، يحي حقي، نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، جمال الغيطاني، يوسف إدريس. إلى أي مدى كان هؤلاء العمالقة حافزا للأدباء الجدد لتقديم أعمال ذات مستوى مُفارق؟
بالتأكيد كل تلك الأسماء العملاقة في الأدب والرواية المصرية نعتبرهم رموزاً ورواداً نقتدي بهم ونتعلم منهم، ولا أرى أبداً أنهم سَدّ أمام من يريد الكتابة، بل على العكس، من لا يحترم ماضيه لا مستقبل له، والجذور هي الأساس شريطة أن لا تُكبّل مساعينا نحو التجديد والتطوير الذي أراه ضروريا وأمرا طبيعيا في مجال الأدب، شأنه شأن أي مجال آخر، والرواية مرت بمراحل من التطور والنضج، بداية من أهم رواية في العصر الحديث رواية (زينب) للدكتور محمد حسين هيكل عام 1914، وها هي الرواية لازالت في تطور مستمر بناء على تطور المجتمعات ونضوجها الفكري والمعرفي، وكذلك القصة القصيرة التي استحدث منها أشكالا جديدة كالأقصوصة (القصة القصيرة جداً) والومضة والتي لم تكن موجودة في الماضي. وحتى في الشعر، فنجده في تطور مستمر بدءاً من القصيدة العربية التقليدية مروراً بالشعر الأموي، والعباسي، والأندلسي، وحتى الشعر الحديث، مع ظهور قصيدة النثر، أو الشعر الحر. وذلك يتماشى مع روح العصر والتطور المتسارع للحياة.
*هل الجيل المعاصر من الأدباء- في مصر والوطن العربي- نجح في تشكيل خصوصية يعرفوا بها؟
منهم من استطاع أن يثبت نفسه وشق طريقه في مجالات القصة والرواية وأصبح له اسمه وبصمته الخاصة، حتى إننا نجد منهم من حقق نجاحات أخرى متميزة بكتاباته إلى السينما والدراما، في حين إن البعض منهم لا زال لم يجد أرضية ثابتة يقف عليها، فتجده متأرجحاً بين أن يكتب ما يمثله هو ككاتب معبر عن أفكاره ووعيه الذاتي ومجتمعه، وبين أن يسعى لإرضاء القارىء بما يريد أن يقرأ، وخاصة فئة القراء من الشباب الذين نراهم يسعون وراء الروايات الخفيفة والرومانسية الحالمة وغيرها.
*ثمة اهتمام نقدي في دراسة الأدب النسائي، فهل تجدين أن هناك سمات معينة لكتابات المرأة؟
لا أحب تصنيف الأدب على أنه أدب نسوي أو ذكوري، فالأدب واحد، ولكن هناك كتابات للمرأة استطاعت أن تُعبّر بها عن المشاعر المختلفة والمشاكل المتجذرة في مجتمعاتنا العربية، لكن المرأة المبدعة لا تستطيع التعبير بحرية عن كل مشكلاتها حتى الآن، فتجد المرأة لا زالت تخجل من التعبير عن أغلب مشاعرها، وأن تكتبها صراحة، فتتلقى اللوم على جرأتها.
*بالاضافة إلى الخروج من البئر، صدر لك مجموعة كتب في القصة، والرواية، والشعر أيضا، هذا التنوع في كتابة السرد، أو الانتقال ما بين النثر والشعر، ألا يربكك؟ أو أن أفكارك تأتيك وقد اختارت شكلها؟
لا يربكني أبداً، بل إن الفكرة تأتي وقد حددت النوعية التي ستتشكل بها من تلقاء نفسها. وعلى العكس أراه تنوعاً متميزاً في صالح المبدع، حيث إنه يجد من خلاله تفريغ شحنته الإبداعية، فتجد أسلوب الكاتب المتنوع الإبداع يختلف عن غيره من الكتاب، فهو يمتلك أسلوباً أكثر شاعرية وقدرة على التعبير بطريقة متفردة عن أفكاره، أو نسجه لعالمه الخاص داخل الرواية أو القصة.



* تكتبين الشعر باللغة الفصيحة وأيضا بالعامية. فهل تكتبين هذه القصيدة للقارئ المصري حصرا؟
اللهجة العامية المصرية بالذات لغة قريبة من أذن المستمع العربي حيث أن أشقاءنا العرب في كل الوطن العربي تربوا على الأفلام والدراما المصرية وتأثروا بها، ولي أصدقاء من دول عربية يتحدثون اللهجة العامية المصرية بطلاقة، فلا أجد أن اللهجة المصرية تشكل عائقاً، وأذكر أنني حضرت مهرجان القصيد الذهبي للشعر بتونس الشقيق في العام 2017 وقرأت قصائد بالعامية المصرية وحتى اللهجة الصعيدية، نالت الكثير من إعجاب واستحسان الحضور الذي كان من عدة بلدان عربية، بل وتناولوها بالمناقشة فيما بعد. وأحد أصدقائي الشعراء من العراق الشقيق لحن إحداها وغناها.
*في روايتك وقصصك نجد البيئة المحلية بتفاصيلها، ولكن في روايتك الأخيرة – الخروج من البئر -تغادرين المحلية وتقفزين خارج حدود مصر. هل الأمر يعود إلى أنك تطمحين إلى ترجمة أعمالك؟ أو الحضور في المشهد الأدبي خارج حدود مصر؟
أكتب عن بيئتنا المحلية ومازلت، لكني أؤمن أن مشاكل الإنسان وأحلامه واحده في كل مكان، خاصة أننا الآن منفتحون وبقوة على كل الثقافات والمجتمعات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت.. وحتى القنوات الفضائية المحلية والعالمية.. وأي حدث في أي دولة قريبة أو بعيدة يصلنا في لحظته ونتأثر به ونتفاعل معه، ومثال ذلك أزمة وباء كورونا، ووضع العالم وتأثر كل سكان الكوكب بها، فقد كان حال الإنسان واحدا في تلك الفترة، وكذلك أزمة الطفل المغربي ريان الذي سقط في البئر وقد كان العالم كله يتابع بقلق دقيقة بدقيقة، والمساعدات توالت من مختلف البلدان وتأثرنا به وبوفاته وكان حزناً عميقاً، وحتى في الحادثة الأخيرة للزلزال المدمر في سوريا الحبيبة وتركيا، فالعالم كله متابع ومتأثر ويتعاطى مع الحدث على كل الأصعدة، فما بالك بالكاتب الذي رسالته في الأصل هي التعبير عن مجتمعة والإنسانية بشكل عام.. ولهذا أعتبر الكتابة خارج المحلية إن وجدت الفكرة المناسبة نوع من تطور النظرة للرواية والمشكلات والموضوعات وطريقة تناولها.
*ماذا قدمت لك جائزة الطيب صالح؟
الفوز بجائزة كبيرة كجائزة الأديب الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي ذات ثقل أدبي في العالم العربي وخارجه، تشكل دفعة قوية معنوية وأدبية لي في مشواري الأدبي، وهي مسؤولية أيضاً، فالنجاح مسؤولية كبيرة لتقديم الأفضل. فأصبحت بعد الجائزة أفكر فيما هو قادم، وحريصة على انتقاء الأفكار لما هو قادم لي من أعمال، سواء على مستوى الرواية أو القصة القصيرة. والجوائز تمثل أهمية كبيرة في تشجيع الأدباء والمبدعين ودفعهم معنوياً، لتقديم الأفضل والتطوير من إبداعاتهم، وتجعل الكاتب يشعر أن هناك من يراه ويقدره ويهتم لما يقدم.. كذلك تساعد في تسليط الضوء على الإبداعات التي لا تستطيع التسويق لنفسها في خضم هذا الكم الهائل من الإنتاج الأدبي والروائي.
سامر أنور الشمالي: كاتب سوري
