صدر حديثا

المحسوس وثقافة المتخيل.. كتاب نقدي لـ علاء حمد

المحسوس وثقافة المتخيل.. كتاب نقدي لـ علاء حمد

عن دار جبرا للنشر والتوزيع صدر كتاب المحسوس وثقافة المتخيل للشاعر والناقد العراقي المغترب علاء حمد، والكتاب النقدي، الذي جاء في 270 صفحة من القطع الكبير،  يتناول مصطلح المحسوس بدءاً من الشيخ العلامة ابن سينا ومروراً بالعديد من المدارس النقدية التي تناولت هذا المصطلح. قدم للكتاب الناقد والشاعر العراقي عبد الأمير خليل مراد.

من عناوين فصول الكتاب: اتجاهات النص المحسوس، المحسوس وثقافة الذات، المحسوس ولغة الذات، المنظور البصري، المحسوس وثقافة الصورة الشعرية، المحسوس الساخر.

نختار لكم من الكتاب

 يظهر البطل الجمالي مجزئا، وإذا باغتنا بشكله الملائم والطبيعي فهذا يعني أنّه يقودنا إلى تجربة مختصرة في إدارة النصّ الشعري، فالشاعر يغتاله عادة ويغتال بالذات لحظاته المباشرة وينهي مفعوله في التأثير النصّي وإلا يبقى النصّ كنصّ يومي، لذلك ومن خلال هذه النافذة الجمالية نلاحظ بأنّ ظهوره حاجة جمالية لزركشة النصّ الشعري وتعاونه مع المنافذ اللاشعورية في التأليفات النصيّة التي تلازمنا، وتبقى آثار المحسوس باشتغالات جمالية، فالغائب منه هي حالاته المباشرة والتي تقيّـدنا أحياناً في التصدّي إلى اللاشعور أو خارج المباشرة، حيث تتعلّق الذهنية بمنفذ واحد وتعتبره كمسلكٍ يومي، لذلك كما قلت؛ يشتغل الشاعر على اغتيال لحظته عند الظهور، ولكن وبعد عملية الاغتيال لا يظهر إلا كبطل جمالي يحمل مؤشرات إيجابية في دعم النصّ الشعري.. والمحسوس الكامن المختفي قد يظهر في حالة ملامسة الأشياء الجميلة وكذلك في حالة الإحساس الجمالي، حيث تُثار بهجته الجمالية وتظهر كدليلٍ مفتوحٍ على الجمل الشعرية التي تميل إلى علم الجمال وصورته التأثيرية.

المنظور العيني هو الأنشط في نقل الجمال إلى الذهنية، والمنظور العيني يكمن ويظهر من خلال محسوس العين في مشاهدة الأشياء، لذلك كانت ميولنا مع عنصر الدهشة والذهاب إلى نظرة عين الطائر الخاطفة ببطء، كذلك تتواجد هذه النظرة العينية لدى الشاعر بشكلها الخاطف، وتحتفظ بالجماليات والتي نعتبرها قوّة خلاقة للرؤيا وهي منقولة بواسطة المحسوس العيني.. وفي الوقت نفسه لا يتغيب المحسوس عن النظرة العينية غير المباشرة ونحن في غرفة مغلقة حيث نتصوّر الأشياء من خلال خزائن الذاكرة التي احتفظت بالكثير من النظرات؛ بعضها خاطفة وبعضها بطيئة، وتنتمي إلى أحاسيس عليا؛ ويرى أفلاطون (أنّ السمع والأبصار يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالعمليات الذهنية. – النقد الفني دراسة جمالية – ص 333 – جيروم ستولنيتز – ترجمة: د. فؤاد زكريا). وطالما أنّ هناك تراسلات ما بين الحواس، فسيظهر المحسوس الأكثر ناقلاً للجمالية، وهو الذي يدعمنا في الرؤى الخلاقة عندما نميل إلى العناصر الشعرية، ومنها عنصر الدهشة بالذات، فهذا العنصر لا يعتمد على محسوس مباشر، بل من خلال التراسلات الحسية، فمن الطبيعي أن يكون للمحسوس دوره الخلاق في نقل المادة، المادة التي تتحلّى بالجمال الخلاق أيضاً.. (الإبصار والسمع يتلقيان موضوعاتهما عن بعد، أي أنّ الموضوعات التي يدركانها لا تحتك مباشرة بعضو الإحساس – النقد الفني دراسة جمالية – ص 333 – جيروم ستولنيتز – ترجمة: د. فؤاد زكريا). وهذا ما يساعدنا على خوض المباعدات خارج المحسوس؛ فيتفرّغ المحسوس لنقل المتقاربات إلى الذهنية، وهنا نعني العناصر الجمالية الخلاقة والتي يعمل منها رؤية مختلفة حتى من الناحية اللغوية.

يتجاوز المحسوس الخلاق رؤيا ما بعد الآن؛ وذلك لكي يتحرّر من الوجود الزمني، الذي يحدّد علاقته الزمنية بالنصّ الشعري؛ فينسف الأبعاد المألوفة المتعلّقة بالنصّ، حيث أنّه يعانق التحوّلات الجديدة لخرق كلّ ما هو مألوف ليتجانس من جديد ويذهب إلى اشتغالات ما بعد الواقع المنظور، فيضيف رؤى جديدة لا شعورية تعتنق المسلك الذاتي، والتي يتمّ تحويلها هي الأخرى إلى ذات عاملة تتجانس مع كلّ شيء خلاق، وتأخذ من المحسوس، اشتغالاته الخلاقة في الخلق الجديد.

وجد المحسوس ذلك الغارق بتناقضات كثيرة؛ وتعدّ تلك التناقضات خطّاً عامّاً من الفوضى، فيعمل على الخروج من تلك التناقضات وترتيب الفوضى، وتحويلها إلى أجندة خلاقة، ومنها سبب الجنون المتواصل، والذي يُعد عنصراً خلاقاً تحوّل من الفوضى إلى ترتيبات نظامية، وفي طبيعة الحال فإنّ للمحسوس الأثر الفعّال على تلك الترتيبات الجديدة.. فالمحسوس جزء من هذه الترتيبات التي تغزو المخيلة، وطالما هو جزء منها فبمقدوره إيجاد التجدّد والتنظيم الجديد من الداخل، دون أن يعزل حالته النظامية التي تواجد من أجلها؛ والكثير يذهب إلى إشباعات في رؤية الأشياء، ويظنّ بأنّ هذه الأشياء حاملة للمعاني، في الوقت الذي، ومن إحدى وظائف المحسوس خلق المعاني الجديدة بوسائل جديدة أيضاً ومنها منظوره للأشياء، حيث يخلق ترتيبات غير تقليدية بالإضافة إلى علاقته مع الذات.

ما هذا المحسوس.. إنه ينقلني إلى عالم فوضوي، فأرى الفوضى أمامي.. ومنها التخيّـلات الفوضوية، والأحلام بفوضويتها، وكذلك عدم الاستقرار اليومي، وحبّ الظلمة، وتجاوز النهار.. نعم عندما ترى كلّ هذه الأشياء من خلال ثقب صغير، فسوف تنتقل إلى نظام من الفوضى، ومن هنا تبدأ الاشتغالات، اشتغالات المحسوس وعزل بعض الأشياء، وإعطاء بعضها مسمّياتها.. إنه خلق جديد، ومنها حالة الجنون، والتي تقودنا إلى مسالك عديدة وكلّها تؤدي إلى أعمال في المنظور الشعري.

المحسوس الخلاق يكسر البنية المكانية ويعيد بناءها، لأنّ البنية المكانية؛ بنية تقليدية مكرّرة وغير ثابتة، وهذا ما نشاهده بشكلها الطبيعي واليومي، لذلك فالزمنية تلاحق الأماكن، فإذا اعتبرنا أن الأماكن قد نُسفت، فهذا يقودنا إلى انتظار زمني إلى حين إعادة بناء الأماكن المنسوفة، لذلك تنشب علاقة ما بين المتخيّـل والمحسوس، فيغيب المحسوس عن الأماكن الجديدة، ويظهر المتخيّل بدلاً عنه، وهذه العلاقة، علاقة تكرار الأدوار، وهي غير منظمة، وخارج هندسة الفكر والذهنية، حيث تظهر بشكلها العفوي وتمارس مهامها الداخلية.. إذن تنتج العلاقة، علاقة أخرى، وهي علاقة اللاشعور في المسلك التوضيحي، والذي لا يتخلى عن ممارسة مهامه في تنظيم الأبيات الشعرية وإن كانت بشكل جنوني...

***

قنّاص – صدر حديثا

المحرر المسؤول: زاهر السالمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى