أهوى الهوى كتابمكتبة بورخيس

السرد في قصيدة النثر العُمانية لـِ عزيزة الطائي | زاهر السالمي

هذا الكتاب النقدي «السرد في قصيدة النثر العُمانية: أشكاله ووظائفه» للدكتورة عزيزة الطائي، الصادر في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ٢٠٢١، يضيف إلى ثراء قصيدة النثر العُمانية كمرجع مهم وأساسي، حيث أنّ حركة النقد لم تواكب التطور الكبير في هذه القصيدة عبر أجيال. إنها دراسة منهجية للسّرد في قصيدة النّثر، بحثت في طبيعة العلاقة بين الشّعري والسّردي في القصيدة العُمانية، وتجلي أبرز المعطيات الأدبية التي شكّلت جسد القصيد، وما أفرزه هذا التّلاقح بينها والأجناس السّردية، ممثلة بنصوصٍ شعريةٍ. لتكون خاتمةٍ الكتاب موجز لما توصلت إليه الدراسة من تجليات السّرد وحضوره في قصيدة النّثر العُمانية.

يُفنّد الكتاب الفكرة التي تشير إلى: «النّثرية وافتراقها عن قوالب الشّعر» ويححاجج بنقيضها، حيث تقول المؤلفة في مقدمتها: «اهتمامنا انصبّ على تسريد الخطاب في قصيدة النّثر في عُمان بين الحكي الشّعري وشعرية الحكي مستندين على تجارب كتابية لمجموعة من شعراء النّثر تعيد بناء مفاهيم شعرية جديدة متحررة من القالب الشّعري التّقليدي القديم، مستنطقة الأجناس الأدبية، بهدف تأسيس حضورٍ شعريٍّ تجريبي حداثي خاصٍ بها. حتى غدت قصيدة النّثر تتمازج في حركية تفاعلية بين الشّعري والسّردي بقالبٍ رصينٍ، مراهنةً على إعادة بناء روابط القصيدة بالذّات والمجتمع والتّاريخ والإنسانية جمعاء من أجل ترسيخ حضورها بفاعليةٍ جوهريةٍ تعيد لها اعتبارها باختلاف الذّوات النّاطقة، وتنوع النّصوص في تمظهراتٍ حكائيةٍ متناسقةٍ مع أنساق العلاقات والتّناصّات والمتضادات والخطابات المتباينة في المتن الشّعري المبني على النّسق السّردي». ثم تسند فكرة دراستها بما جاء في كتاب برنار سوزان، قصيدة النثر من بولدير إلى أيامنا، في أنّ جمالية قصيدة النّثر لا تكمن في شكلها، بل في جوهرها القائم على «الصّراع بين حرية النثر والصّرامة المنظمة للقصيدة، وبين الفوضى المدمرة والفن للأشكال، وبين الرغبة في الهروب من اللغة وضرورة استخدام اللغة».

تذهب رحلة التّقصّي في تسريد قصيدة النّثر العُمانية إلى البحث في بداياتها، منطلقة من فكرة أن تلك البدايات في السبعينيات على يد سماء عيسى في ديوانه «امرأة مثل ماء الينابيع»، وسيف الرحبي في ديوانه «نورسة الجنون»، تلتقي «مع السّياق الثّقافي الذي تشكلت فيه قصيدة النثر العربية». ذاهبة إلى أن تسريد الخطاب الشّعري الحداثي في الممارسة الشعرية أدّى إلى تجديد الأساليب الفنية، بل إنه قد أسهم بدور بارز في ذلك، وهو ما أفرز بالتدريج شعرية مغايرة للنّماذج السّائدة في المنجز الشّعري لقصيدة النّثر في عُمان.

في بحثها هذا؛ تطرح د. عزيزة الطائي سؤال قوامه: ما أبرز تجليات ملامح الخطاب السّردي في قصيدة النّثر في عُمان منذ نشأتها في السّبعينيات، وحتى يومنا هذا من خلال مدونة ثرية تمثل هذه الملامح؟ حيث راعتْ المؤلفة في اختيار مدونة البحث أمرين: أولهما، توفر نزعة تسريد الشعر لدى هؤلاء الشّعراء (تستعمل لفظة «تسريد» مقابلًا للفظ الإنجليزي Tranmodalisation)، وهو ما يوفر للباحثة عددًا كافيًا من القصائد المبنية على السّرد بالاستقراء بما يتلاءم مع القضايا التي ينشدها مضمون فصول الكتاب. وأما الثاني، فتمثيل هذه المدونة لأطوار مختلفة من حركة قصيدة النّثر وتشكلها في عُمان. فإذا كانت دواوين سماء عيسى وسيف الرحبي تعود إلى بدايات هذا الحركة، وتزامنها مع ظهور قصيدة النتثر العربية، فإن زاهر الغافري، وصالح العامري، ومحمد الحارثي نعدهم من أبرز شعراء الجيل التالي للرّوّاد، أما طالب المعمري، وعبدالله البلوشي، وعبدالله حبيب، وعلي المخمري، وهاشم الشامسي، وعادل الكلباني، وهلال الحجري، وزهران القاسمي، وفاطمة الشيدي، وبدرية الوهيبي، وإبراهيم سعيد، وفتحية الصقري، بدأت قصائدهم تنفتح على مضامين موضوعية، ومرتكزات فنية يتجلى فيها تطور النص الشّعري واستقائه من أنواع سردية متنوعة؛ والقائمة طويلة لم تفتأ أن تتطور رؤى قصائدهم منذ انطلاقها في السّبعينيات من القرن العشرين إلى يومنا هذا.

تأتي هنا محاولة فهم الشّعر القصصي كجنس أدبي ولغة حية قابلة للنمو والتفاعل، عبر التّصور القائم على فهم الشعر الجديد في النقد الحديث، والذي يؤكد أنه «لم يعد معنيًا بنظم القصة ولا يعدو توظيفه للسرد أن يكون أسلوبًا للتعبير». لذلك فإن تسريد الشّعر الحديث «لا يشكل رؤية الشاعر وإنما يمثل أداةً تصويريةً لرؤيةٍ شعريةٍ في جوهرها»، أي أنّ السّرد وسيلةٌ من وسائل التّعبير يخضع للبنية الشّعرية، ولا يصح أنْ ننتظر فيه «نواحي نضج قصصي يحاكي بها النضج الفني في القصة أو يقاربه». لذلك كان من المهمّ البحث في أشكاله ومداراته ووظائفه وصيرورته.

جاء الباب الأول من البحث في أربعة فصول. ركز الفصل الأول على بنية القصة وحكايتها التي جاءت مستجيبةً لمقومات القصة وعناصرها الفنية. بحث الفصل الثّاني عن شكل القصة وبنيتها حين تفتقر لأحد مقومات القصة وعناصرها، وما أصابها من اختراقٍ فنيٍّ، وأثر ذلك كلّه على صيرورة شكل الحكاية في القصيدة. الفصل الثّالث، ناقش القصيدة التي تتشكل بنيتها من عدة مقاطع سردية، وأثر هذا التحول بين مقطعٍ وآخر، وما طرأ على البنية الفنية من تجانس أو تنافر أثّر على إخضاع النصّ لمقتضيات الوظيفة الإنشائية. أمّا الفصل الرّابع، فقد وقف عند قصيدة الشّذرة السّردية، وقارب بنيتها السّردية من حيث الشكل والمبنى بجنس سردي حديث هو القصة القصيرة جدًا، وبحث في مقومات البُنى الفنية، وجماليّات الأشكال السّردية في القصيدة.

الفصل الأول من الباب الثاني عمل على دراسة الصّور الشعريّة التي تجسّم التّفاعل بين الشّعري والسّردي، وتأثيره في بناء الصّورة الرؤيوية. والفصل الثّاني، استثمر حضور صورةٍ سرديةٍ لم توليها الأبحاث أهميةً، وهي الصّورة الأليغورية التي اتخذت أشكالًا جديدةً عند توظيفها في الشّعر الجديد. وركّز الفصل الثّالث على الوظيفة المرجعية لدوائر المحتوى السّردي، وصلته بمعطياتٍ واقعيةٍ لها وجودٌ خارج حدود النّص الشّعري، مما يُكسب النّص الشّعري سياقًا مرجعيًا خاصًا كـ (السّيرة الذّاتية، والسّيرة الغيرية) الأمر الذي أتاح استقراء المضامين ومدارات السّرد فيها، وتصنيفها. يذهب الفصل الرّابع والأخير لمعرفة وظائف السّرد التي يضطلع بها في القصيدة، واستقراء أبرز المضامين السّردية التي تجلّت إثر هذه الوظيفة فنيّة وغير فنيّة من مرجعياتٍ لوقائع حدثت، أوشهاداتٍ يقدّمها الشّاعر، أو هيمنة أيديلوجية الشّاعر، وتجليها من خلال النص الشّعري.

خاتمة قراءتنا هذه؛ أن هذه الدراسة منحتنا نطاقاً في أرضية الشعر العُماني الحديث، بمنهجية نقدية انعكستْ عن الفكرة التي تقول: إنّ توظيف الشّعر للسّرد ظاهرةٌ ليست بجديدة، وتكاد تكون ثابتة في المدوّنة الشّعرية العربية قديمها وحديثها، كما إنّها حاضرةً أيضًا في أشعار الأمم الأخرى.

الأكاديمية والأديبة العُمانية د. عزيزة الطائي

القصيدة العُمانية

إقرأ أيضا:

بورتريه جسد الشمس لا يحترق | عزيزة الطائي

خطوة على طريق النشر | د. عزيزة الطائي

خاص قنّاص – أهوى الهوى كتاب

المحرر المسؤول: زاهر السالمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى