حواراتمسارات

حوار مع الفائز بجائزة «كتارا» عز الدين جلاوجي | حاوره: سامر أنور الشمالي

هذا التتويج مفصلي في مسيرتي الإبداعية..

صاحب الحضور الأدبي المميّز الكاتب الجزائري الدكتور عز الدين جلاوجي؛ اشتغل على أجناس أدبية عدة، كتب في مجالات الرواية والمسرحية والقصة، وكتب للأطفال أيضا، إضافة إلى الكتابة بأساليب جديدة ابتكرها بنفسه، وهو الآن يعمل على نقل أحد أعماله إلى الشاشة فيعكف على كتابة السيناريو. و(جلاوجي) غزير الإنتاج، فقد صدر له أكثر من خمسين كتاباً في أجناس أدبية مختلفة، وتتميز بالحرفة في الصنعة، والنبل في طرح الفكرة، والجمال في الأسلوب، إضافة إلى أنه يسعى إلى التجديد في تقنيات السرد الأدبي.

حول تجربته الأدبية الثرية في المشهد الأدبي الجزائري والعربي، وبمناسبة نيله أحد جائزة كتارا للرواية العربية فئة الرواية المنشورة عن عمله الروائي (عناق الأفاعي)، كان هذا الحوار:

ماذا أضافت هذه جائزة كتارا -التي تعد من أهم الجوائز الأدبية في الوطن العربي- إلى مسيرتك الأدبية؟

أعتبر هذا التتويج مفصليا في مسيرتي الإبداعية، إذا أتى في ذروة عطائي الأدبي وقد قدمت للمكتبة العربية ما يقرب من خمسين كتابا في النقد وفي صنوف إبداعية مختلفة، إن التتويج دعم معنوي كبير يفتح الباب واسعا أمام كتاباتي لتصل إلى شريحة أكبر من القراء في عموم الوطن العربي، والنقاد منهم على وجه الخصوص، كما يمد بيني وبين الإعلام العربي جسورا أمتن، بل ويمنحني قوة أكبر لاستمر في بناء مشروعي الإبداعي.  

روايتك الفائزة هل كنت متأكدا من أنها ستنال جائزة كتارا أو جائزة أخرى؟ وبماذا تميزت هذه الرواية حتى حظيت بهذه المكانة؟

يقينا كنت متأكدا إلى حد كبير، فقد آمنت بهذا النص كما آمنت بكل نصوصي السابقة، لأنني دوما أسعى أن أقدم العميق والمختلف والمتجذر أيضا، آنف دوما أنا أكون مجرد ظل للآخر، ومجرد صدى للنموذج الغربي وهو ما وقعت فيه الرواية العربية منذ تأسيسها، نحن مطالبون بتقديم أشكالنا السردية النابعة من خصوصياتنا ومن موروثنا وهو زاخر وسامق أيضا، ونحن مطالبون أن نكتب نصوصنا التي تعبر عنا في كل أبعادنا وقيمنا التي بنينا بها الإنسانية ذات يوم صروحا للحب والتسامح، ومازلنا إلى اليوم، إضافة إلى أن لغتنا قادرة على تقديم الأروع بما يتوفر فيها من عبقرية. 

الإبداع هو الإبداع، ما دمت تمتلك الأدوات العامة، ولكن حين انتقالك إلى جنس آخر يقتضي منك أن تتعرف على خصوصيات هذا الجنس الجديد أيضاً.

الصورة: غلاف “هاء، وأسفار عشتار” (دار المنتهى)

 

أنت كاتب أكاديمي وتكتب في مجال الإبداع أيضا، هل الأكاديمي متمكن أكثر عند عامة الأدباء من ممارسة فنون الإبداع؟ أو النقد يعيق الانطلاقة الإبداعية الحرة والعفوية؟

الإبداع موهبة بالأساس، ولا يمكن أن ينبض بالحياة ما لم يكن نابعا من موهبة خلاقة، ولكن الإبداع في جانب منه صناعة أيضا، والصناعة فيه تتكئ على المعرفة، وبالتالي قد يكتفي المبدع فيه بالموهبة، غير أن المعرفة تجعله أعمق، أؤمن دوما أن الرواية مثلا يجب أن تحقق لدى المتلقي المتعة والمعرفة والحيرة، وهي بهذا الشكل لا تتأتى إلا للمبدع الموهوب العارف، ومعنى ذلك فإن الموهوب يكون أعمق إن كان أكاديميا، وليس العكس طبعا، فجل الأكاديميين الذين أرادوا أن يخوضوا غمار الإبداع فشلوا لأنه خُلوٌ من الموهبة. 

أنت تكتب في أجناس أدبية عدة، ومنها أدب الأطفال، كيف تنتقل من عالم الكبار إلى عالم الصغار؟

الإبداع هو الإبداع، ما دمت تمتلك الأدوات العامة، ولكن حين انتقالك إلى جنس آخر يقتضي منك أن تتعرف على خصوصيات هذا الجنس الجديد أيضا، لقد خضت غمار الكتابة القصصية أولا فالمسرحية، وقبل الرواية خضت غمار الكتابة للأطفال، وقد ساعدني في ذلك كوني اشتغلت في شبابي الأول ولسنوات في التعليم المتوسط، كنت فيها أكتب لتلامذتي  وهم بين 12  و 16 سنة نصوصا قصصية ومسرحية وأمثلها معهم، بل وكنت غالبا ما أكتب لهم نصوص الامتحانات، وبقدر ما ساعدني ذلك على صقل تجربتي، قدمت من خلاله خدمة لأدب الطفل تمثل في أربعين مسرحية وسبع قصص، غير أني منذ سنوات انصرفت إلى كتابة الرواية والمسردية، إلى جانب النقد. 

“ثلاثية الأرض والريح” ملحمة روائية من ثلاثة أجزاء، وبالتالي فهي تضاف إلى المطولات السردية العربية، وتعد أكبر وأعمق منجز سردي جزائري، يمتد عبر أكثر من مئة وثلاثين سنة.

الصورة: غلاف “عناق الأفاعي” (دار المنتهى)

هل ساعد هذا التنوع في ممارسة الكتابة على تمرسك في كل جنس بذاته؟ أما كان يثقل كاهلك عند بداية معالجة موضوع جديد؟

حتما فالكتابة نضال، ولا يمكن أن تصل إلى هدفك في نضالك هذا ما لم تكن صادقا، ولن تكون صادقا ما لم تعط للكتابة كل جهدك، بل وتضحي بكثير مما تملك، الكتابة عندي مقاومة وموقف ومشروع، وهذا كله يقتضي الإخلاص للكتابة في حد ذاتها، خاصة وأن مشروع الكتابة عندنا مغامرة محفوفة بكثير من المخاطر والمزالق، الحمد لله رغم كل الصعاب والمطبات حققت لمشروعي الإبداعي حضورا متميزا بين المشاريع الإبداعية الكبرى.

مصطلح (المسردية) أطلقته على جنس أدبي جديد من ابتكارك، بماذا يختلف هذا النوع عن غيره؟ وهل سنجد من يكتب فيه مستقبلا؟

أجل هو شكل كتابي جديد يجمع إليه السرد والمسرح، ليقدم جنسا أدبيا مختلفا، ظاهره السرد وباطنه المسرح، يقرؤه المتلقي القارئ على أنه شكل من أشكال السرد، كما يمكن للمخرج أن يأخذ بيده إلى خشبة المسرح دون عناء، وبالتالي فهو إضافة لمسار المسرح الذي عرف كثيرا من التجارب الركحية، في حين ظل الجمود يلازم النص المسرحي، وقد قدمت في ذلك إضافة للمصطلح ولبعض العناصر التنظيرية، خمسة عشر نصا “مسرديا”، وقد لفت ذلك اهتمام الباحثين والنقاد على مدرجات الجامعة خاصة فأفردت له الدراسات والرسائل الجامعة، أقصد رسائل الدكتوراه، أرجو أيضا أن يقتفي المبدعون هذا الدرب ليكتبوا نصوصا مسردية، فنكون بذلك قد أضفنا شكلا كتابيا للإبداع الإنساني من جهة، ونكون قد أنقذنا النص مما يعانيه من إهمال وإقصاء على مستوى الخشبة.  

قادك التجريب والتجديد إلى (مسرح اللحظة) الذي تريد منه تقديم المسرح بطريقة مختلفة، ما المختلف وما الجديد في هذه التجريب الجديد؟

مسرح اللحظة هو تجربة جديدة في الكتابة المسرحية كتبتها ظاهريا في شكل قصص قصيرة لا تتجاوز الصفحتين والثلاث، اشتغلت فيها على التكثيف في اللغة والتيمة والشخصيات والمكان والزمان، وكل العناصر السردومسرحية، ورفعت لها الشعار التالي “مسرح اللحظة: مسرح الإنسان أينما كان وكيفما كان”، وبالتالي فهو دعوة للخروج بالمسرح من أيدي محترفيه وهواته إلى المجتمع عموما، ومن الخشبة إلى فضاء الحياة، بمعنى يمكن لأفراد الأسرة ولقاطني الحي وللمقلين لوسائل السفر، وللمرتادين للمؤسسات العمومية أن يمارسوا هذا المسرح.

كناقد كيف تقيم الدراسات النقدية التي كتبت عن أعمالك الأدبية؟ وهل أنت راض عنها؟

شاكر للنقد اهتمامه ومتابعاته، وإيمانه بمشروع الإبداعي الذي مازال يقول الكثير نقديا وفكريا، بمعنى لابد للمشروع الإبداعي من مشروع نقدي متخصص يحفر فيه عميقا ويسائله، ويفجر أسراره ومكنوناته.   

عودة إلى (عناق الأفاعي) التي هي جزء من ملحمة سردية كبرى، لماذا هذه الملحمة؟ وما الذي أضافت؟

هي ملحمة روائية من ثلاثة أجزاء، عنونتها بـ “ثلاثية الأرض والريح” صدرت في 1800 صفحة، وبالتالي فهي تضاف إلى المطولات السردية العربية، وتعد أكبر وأعمق منجز سردي جزائري، يمتد عبر أكثر من مئة وثلاثين سنة بين 1830 إلى 1962، رصدت الإنسان الجزائري في هذه الفترة متشبثا بأرضه وذاته ودينه ولغته وانتمائه لحضارته ولجذوره، محافظا رغم وحشية الاستعمار على ذاكرته، وهي إضافة إلى ذلك اشتغال على اللغة والموروث وتحليق في عوالم الأسطورة والعجائبية، وأنا الآن أعمل على تحويلها إلى السينما من خلال كتابة سيناريو لها في أكثر من مئة حلقة، وهي بكل هذا الزخم تعد استثناء في تجربتي السردية لفتت إليها كثيرا اهتمام النقاد وقدمت عنها كتب نقدية ورسائل أكاديمية، وحري بها ذلك لأنها كتبت حقبة تاريخية مجيدة من حقب تاريخنا العربي المشرق والمشع، وإن نفسي لتحدثني أن أكمل هذا المشروع السردي ليكون سداسية بحول الله.   

هل يمكن للقارئ الكريم أن يتعرف على جديدك في عالم الابداع؟

أصدرت منذ أربعة أشهر رواية بعنوان “هاء، وأسفار عشتار”، وأقمنا لها احتفاء يليق بمقامها، ولي تحت الطبع الآن روايتي الحادية عشرة بعنوان “علي بابا والأربعون حبيبة”، قد تصدر الشهر القادم بحول الله، كما أكملت كتابة مسرحية/ مسردية سأمنحها وقتا أطول لترى النور.

سامر أنور الشمالي: كاتب سوري | fb.com/SamerAnwarAlshamali

خاص قناص

مجلة ثقافية تنفتح على أشكال الأدب والفنون في تَمَوجها الزمني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى