تواصل مجلة «قناص» في زاوية «خطوة على طريق النشر» نشر شهادات الكُتّاب عن حيثيات الدخول إلى عالم النشر. هنا شهادة الدكتورة سوسن جميل حسن، وهي كاتبة وروائية وطبيبة سوريّة، تقيم في ألمانيا:
دائماً ما يرضخ الكاتب لشروط دار النشر في عمله الأوّل، وغالباً ما تستغل دور النشر هذه النقطة، فهي تعرف مدى حاجة الكاتب لنشر عمله، وحجم الأحلام التي يبنيها على ظهوره الأول، أو ظهور كتاب يُشهر اسمه، لذلك غالبًا ما يقع الكاتب تحت ضغط هذه الشروط الصعبة، ويرضى في أن يدفع تكاليف النشر، يمنحه الناشر عددًا من النسخ لقاء هذا المبلغ، عليه هو التكفّل بها، وغالبًا ما تذهب على شكل إهداءات من دون تمييز بين من يقدّر القراءة ومن لا يقدّرها، وأحيانًا يمكن أن يبقى عدد من النسخ مكدّسًا في وجهه ليتراكم عليها الغبار، وتصير عبئًا عليه، وربّما يعود إليها لاحقًا، فيما لو استمرّت تجربته في الكتابة وصار لديه رصيد من الأعمال المنشورة، وانتقل اسمه من كاتب ناشئ ومغمور، إلى كاتب لديه “سوابق” في عالم الأدب والكتابة، ويجادل نفسه حول عمله الأول، تعتريه مشاعر متناقضة، بين الرضا وعدم الرضا. يمكن القول إن الكاتب غالبًا ما يشتري كتابه الأوّل.
بالنسبة لي، أتيت إلى عالم الكتابة متأخرة قليلًا، بعدما استهلكت مهنة الطب شطرًا كبيرًا من عمري ووقتي، لكن كان لا بدّ من العمل الأول في النهاية، لا أستطيع القول إنني تنقّلت بين دور نشر عديدة لأعرض عليها روايتي الأولى، فأنا توجّهت مباشرة إلى ناشر واحد، وطلبت النشر عنده، من دون السؤال عن تفصيلات، أو مناقشة ما عُرض عليّ، لم يكن لدي خبرة في الأمر، ولم أبحث لأعرف إن كان هناك طرق أخرى، أو أساليب أخرى للتعامل مع الكتّاب، خاصّة المبتدئين، دفعت يومها ما طُلب مني، كلفة الطباعة وفوقها كلفة تصميم الغلاف، وانتظرت بفارغ الصبر صدور روايتي، التي لم تتأخر.
بعد قراءة المخطوط، وجّه لي الناشر بعض الملاحظات، وقمت بالتعديل مثلما طلب مني، وأرسلته مرة أخرى، فطبع كما هو، كان لدي ملاحظات بعد صدور الكتاب، أهمّها أن هناك أخطاء في التنضيد بالدرجة الأولى، فالنصّ طُبع كما أرسلته، لذلك اعتورته بعض الاختلالات التي ولّدت لدي شيئًا من الحزن والإحباط، فلقد تعارضت مع أحلامي عن “مثالية” عملي، غالبًا ما يشعر الكاتب، في كتابه الأول، أن ما أنتجه يرقى إلى درجة الفرادة والتميز، وهذا فعلًا ما كنت أشعر به، هذا أمر مفهوم في رأيي، فالعلاقة مع الكتاب الأول يحكمها حدّ كبير من العاطفة، هو مثل الطفل الأول بالنسبة للأبوين، وللأم تحديدًا، فهي ستحب وليدها، مهما كان عليه، حتى لو كان لديه خلل ظاهر.
بعد صدور كتابي، رحت أتابع الأخبار عنه، مثلما لو أنه حدث الساعة، أتصفّح الجرائد، المحلية في الدرجة الأولى، لأتسقّط أخبارًا تشي باهتمام به، وأنا لا أعرف شيئًا عن الوسط الثقافي أو الإعلامي، فالميدان الذي أتيت منه، ميدان الطب، بعيد عن هذه القضايا، لكنني فرحت أن هناك ثلاث مقالات كتبت عنه لاحقًا، تبين لي أن اثنين منها كانا بتزكية من الناشر، وليس بسبب اهتمام الصحافة بكتابي، إنما يمكنني القول أن هذا نفحني بمشاعر جميلة، وشجّعني في المضي بكتابة روايتي الثانية.
لكن الأمر الذي أربكني، وكنت حينها لا أفهم كثيرًا عن عالم الأنترنت والفضاء الرقمي، أنني، وبينما أتصفح المواقع بحثًا عن أخبار عن روايتي، لفتني أن هناك فنّانة تتميز بأسلوب شعبي في الغناء، تحمل اسمي نفسه، ولها ألبومات غنائية ومتابعون كثر، أربكني الأمر حينها، وفكّرت أن خلطًا ما سيحصل بيني وبينها على المواقع، بينما أريد لتجربتي في عالم الأدب أن تكون مميزة، من دون أن أملك الأسباب الوجيهة، لذلك ذهبت إلى الناشر وعرضت مشكلتي عليه، كنتُ أراها مشكلة بالفعل وأتهيّب منها، تفهّم حالتي وأعاد طباعة الدفعة الثانية من الكتاب، بعد تغيير غلافه بالكامل، وكتابة اسمي الثلاثي عليه، مثلما طلبت منه، معتبرة أن هذا سيميّزني. اليوم أضحك من نفسي على هذه الطريقة التي واجهت فيها بداية دخول عالم الكتابة ونشر أعمالي.