تنشر مجلة قناص سلسلة مقالات أسبوعية، تُشَرّح فيها دراما رمضان، حيث تصل الدراما العربية في هذا الشهر إلى ذروتها السنوية. نبدأ سلسلة المقالات بالدراما السورية، التي غابت وإن بشكل نسبي في السنوات الماضية، ثم نُحاور الدراما المصرية، وتحضر الدراما الخليجية في المقال الثالث.
***
بفارق طفيف عن العام الماضي، تحفل مائدة الدراما الرمضانية المصرية هذا العام بما يزيد عن 30 مسلسلا -نصفهم تقريبا 15 حلقة- منها ما سيتم عرضه في النصف الثاني من رمضان. بيد أن هذا الفارق الطفيف بين الموسمين -الحالي والسابق- لا ينسحب على مستوى عدد المسلسلات فحسب؛ بل يمتد كذلك إلى مستوى الجودة وتكرار الأخطاء نفسها والتعثرات المعتادة التى باتت عادة مؤكدة يحرص الصناع عليها بل وينتظرها الجمهور أيضا.
فخاخ مخيبة للآمال
للحلقة الأولى -في أى مسلسل- أهمية بالغة؛ فهى المفتاح الرئيسي -في أغلب الأحيان- الذي يعتمد عليه صُناع العمل لتوريط المُشاهد، وكثيرا ما يتبارى المخرجون في نصب الفخاخ للمتفرج من خلال تقديم الشخصيات والحبكة والملامح الأولية للحكاية، ومن ثم كثيرا ما يتضح أن الجواب يتضح من عنوانه كما يقال. لكن الحلقات الأولى من المسلسلات هذا العام، جاءت مخيبة للآمال، حيث تشابه معظمها في الموسيقى التصويرية والديكور والأكسسوارات، مع ظهور واضح للخروج من البلاتوهات واختيار مواقع حقيقية للتصوير ومنها أماكن أو محلات شهيرة في وسط البلد أو بين المناطق الأثرية، كما انتشرت المشاهد التسجيلية والوثائقية عبر معظم المسلسلات خصوصا التي تدور في أحياء شعبية.
أما على مستوى شركات الإنتاج، فيتكرر استحواذ “المتحدة” على نصيب الأسد من الخريطة الدرامية، ومن الملامح المتكررة أيضا في الإخراج؛ أسلوب الاستعراض الهوليودي المصاحب للظهور الأول للنجم أو لأبطال العمل، وقد تجاوز الأمر مع بعض المخرجين الاستمرار لما بعد ذلك بصنع هالة حول الشخصيات باستخدام عدسات مختلفة وزاوايا متباينة في التصوير، وبالنسبة للأكليشيهات غير المفهومة في بعض الأحيان، والتي يدَّعي بعضها العمق، فلم يخْلُ منها حوار تقريبا إلا فيما ندر.
كما وضح الاستسهال أيضا وبقوة في كلمات الأغاني والألحان لتترات المسلسلات نذكر منها تتر مسلسل “حضرة العمدة” تأليف إبراهيم عيسى وإخراج عادل أديب. البطولة لروبي وسميحة أيوب وأحمد رزق وآخرين، تقول أغنية التتر”اللي يهري يهري .. واللي يفتي يفتي .. بس بكرة هتبقى فُل على حسب معرفتي” كلمات أيمن بهجت قمر وألحان شادي مؤنس والغناء للمطرب مدحت صالح. وتشهد خريطة العام الدرامية احتفاءً بمطربي التسعينيات في تقديم التترات يأتي في مقدمتهم الكينج محمد منير “عملة نادرة، وسره الباتع”، محمد الحلو وحنان ماضي “ضرب نار”، وحميد الشاعري وهشام عباس في “مذكرات زوج ومسلسل الصفارة”.
تقول أغنية التتر في “حضرة العمدة”: “اللي يهري يهري .. واللي يفتي يفتي .. بس بكرة هتبقى فُل على حسب معرفتي”..!
ولمتابعى دراما الأجزاء موعد مع بعض المسلسلات الموسمية، يأتي في مقدمتها الجزء السابع لمسلسل أحمد مكي “الكبير قوي”، في العام الماضي ظهر في المسلسل وجه جديد لممثلة شابة “مربوحة” أو رحمة أحمد وقد كانت الكارت الرابح الوحيد في ذلك الجزء، حيث وضع بطل العمل “أحمد مكي” كل إمكانياته في الأداء والكوميديا تحت تصرف وتيرة من الافتعال والتزيد، تتزايد في معظم أعماله الأخيرة وتستفحل بشكل كبير هذا العام، خصوصا وقد فقد المسلسل كارته الرابح “مربوحة” التي لم تخرج عن طريقة مكي بل أضافت إليها، وهو ما استقبله الجمهور باستنكار شديد.
من جانبه، يستمر حمادة هلال هذا العام في تقديم رحلة “صابر” الروحانية في الجزء الثالث من “المداح.. أسطورة العشق” إخراج أحمد سمير فرج، وربما كون بطل العمل مطربا فقد انتهج كاتبا السيناريو “أمين جمال، وليد أبو المجد” مبدأ من كل فيلم أغنية.
وبعوده الأيام
هناك أكثر من عودة تشهدها الخريطة الدرامية هذا العام، لعل أشهرها عودة الدراما الدينية بعد انقطاع طويل بمسلسل “الإمام الشافعي”، من هنا تأتى أهمية الإقدام على إنتاج مسلسل كهذا بصرف النظر عن مدى جودته من عدمها، أو نجاحه وفشله. يتناول المسلسل السنوات الأخيرة من حياة الإمام التي قضاها في مصر، القصة والسيناريو والحوار نتاج ورشة كتابة باشراف السيناريست محمد هشام عبية، بطولة خالد النبوي. نضال شافعى وأروى جودة ومن إخراج السورى الليث حجو.
انتهت الحلقة الأولى بكاملها -تقريبا- ولم نرَ سوى مجموعة من الاستعراضات الإخراجية، تتنوع بين مشاهد واسعة ولقطات ضيقة كلوز على الوجوه والتفاصيل، إلا أن فرط الحركة الاستعراضية للكاميرا لم يكن في صالح الصورة مطلقا ولم تفلح عباءة الدراما التركية -التى اتبعها المخرج- في ترقيع ذلك، على أن كثرة المشاهد الواسعة أظهرت الصورة السلبية في تحريك المجاميع والحدود الفاصلة بين قطع الديكور من بيوت أو بعض القوافل وما إلى ذلك، في محاولة بائسة لاستحضار الفترة الزمنية التاريخية.
عودة الدراما الدينية بعد انقطاع طويل بمسلسل “الإمام الشافعي“
تعمد المخرج أيضا الإطالة في مشهد البداية بدون مبرر فني أو جمالي، فجاءت اللقطات المتقاطعة للصلاة ومن قبلها قراءة سورة الفاتحة كاملة من الشافعى في غاية الرتابة، ومن الواضح أن هذه الرتابة جاءت وفق هوى البطل “خالد النبوى”، فهناك خمول ليس في محله يلازم النبوى منذ سنوات سواء على مستوى الأداء أو نبرة الصوت، ناهيك عن البطء المفتعل المسيطر على طريقته في الكلام وحركاته البليدة.
أما العودة الأخرى المرتقبة منذ شهور، فكانت للمخرج خالد يوسف في مسلسل “سره الباتع” الذي أثير حوله الكثير من الجدل والشائعات والاتهامات في الوقت نفسه، على خلفية فيديوهات قديمة مسربة للمخرج وغيابه عن مصر لما يزيد عن ثلاث سنوات، قدَّم يوسف أخر أفلامه “كارما 2018” ويعتبر المسلسل هو أولى تجاربه في الدراما التليفزيونية. يشترك في البطولة “أحمد صلاح السعدني. أحمد فهمي. حنان مطاوع. وأحمد عبد العزيز في أداء مميز ولافت، وظهور باهت لكل من “حسين فهمي، وهالة صدقي، عمرو عبد الجليل” وآخرين، أما القصة والحوار والمعالجة الدرامية فهى للمخرج عن قصة طويلة بالعنوان نفسه للأديب الكبير يوسف إدريس.
يتناول المسلسل قصة أحد الأبطال الشعبيين في مصر وقت الحملة الفرنسية في القرن الثامن عشر، ومن الصعب اعتبار مسلسل كهذا تاريخيا؛ فالمعالجة الدرامية لا تخص سوى المخرج ورؤيته بعيدا عن أي صحة للأحداث التاريخية الواردة في المسلسل، متخذا من الفترة الزمنية المعلومة خلفية عامة للأحداث، وهو في ذلك يسير على درب أستاذه الراحل يوسف شاهين في فيلمه “الناصر صلاح الدين”، ومن الواضح أن التلميذ لم يرغب في مخالفة أستاذه قط؛ فبخلاف المغالطات التاريخية والحوارات الملفقة لم يَفُتْه الوقوع في نفس الأخطاء السابقة الخاصة بالأكسسوار والملابس والديكور كأنْ نلمح -على سبيل المثال- كوتشي حديث يرتديه أحد الجنود في المعركة، ما يذكرنا بحادثة أحمد مظهر في فيلم الناصر لأستاذه، حين ظهر في أحد المشاهد بساعة يد.
يعود أيضا الممثل “أحمد عيد” في مسلسل “عملة نادرة” تأليف وإخراج آل العدل “مدحت العدل ومحمد جمال العدل” بعد انقطاع طويل. المسلسل بطولة نيلي كريم، كمال أبو رية، والممثل السورى جمال سليمان.
دراما المجال
“ستهم – تأليف ناصر عبد الرحمن وإخراج رؤوف عبد العزيز”، البطولة لروجينا وإياد نصار، نتابع فيه قصة “ستهم” المرأة المكلومة في زوجها وصراعها المستميت في مواجهة الحياة وعادات وتقاليد الأسرة الصعيدية، حتى أنها تلجأ للتنكر في صورة رجل للبقاء، تُجاهد روجينا منذ فترة كبيرة كي تنضم إلى صفوف النجوم الأولى، إلا أن هاجس “المرأة الخارقة” دائما ما يسيطر على انفعالاتها وتعاملها مع الأحداث. وفي سياق مشابه وإن كان أكثر حدة، نشاهد ريهام حجاج في مسلسل “جميلة” ببطولة مطلقة كما هي عادتها، المسلسل من تأليف أيمن سلامة وإخراج سامح عبد العزيز وهما نفس فريق عمل ريهام في العام الماضي في مسلسل “يوتيرن”، كان الفارق الوحيد بين المسلسلين هو اختلاف مهنة البطلة من ضابطة ملاحة بحرية إلى محامية.
في سياق الأبطال الخارقين أيضا يأتي مسلسل “الأجهر – تأليف أحمد حلبة وإخراج ياسر سامي”، بطولة عمرو سعد الذي يشترك في الكتابة، وهي كتابة ترتدي عباءة الدراما الهندية القديمة حين كانت هزلية يضرب بها المثل في الافتعال والمبالغة، سواء على مستوى الأحداث والحبكة أو من حيث أداء الشخصيات، يؤكد السيناريو على ذلك خصوصا بالاستعانة بغناء بطل العمل، تحكي القصة عن “يوسف” المتهم بقتل أمه وضياعه لسنوات عن أخواته ومن ثم سيكون عليه فيما بعد البحث عنهم وإثبات براءته علاوة على النيل من القاتل الحقيقي، يشترك في البطولة “درة ناهد السباعي وسيد رجب وخالد زكي”.
وفي “بابا المجال – تأليف محمد الشواف وإخراج أحمد موسى” نعيش مع قصة “زين – مصطفي شعبان” وهو ميكانيكي مكافح يعيش في حي شعبي مع والدته “سوسن بدر” ويعتبر عرّافا شهيرا في مجال صيانة السيارات. يتمتع الفنان مصطفي شعبان بأداء تلقائي بسيط مكنه من الاستحواذ على إعجاب المُشاهد، ظهر ذلك في عدد كبير من أعماله السينمائية والدرامية المبكرة، ولكن منذ أن اتجه شعبان للبطولة المطلقة في الدراما؛ فقد الكثير من هذه التلقائية والبساطة في الأداء.
في بابا المجال؛ يتمتع الفنان مصطفي شعبان بأداء تلقائي بسيط مكنه من الاستحواذ على إعجاب المُشاهد
“ضرب نار – تأليف ناصر عبد الرحمن، إخراج مصطفي فكري” وبطولة الزوجين “ياسمين عبد العزيز وأحمد العوضي”. المسلسل هو التعاون الثالث بين المخرج والبطلة بعد مسلسلي “ونحب تاني ليه2020 واللي مالوش كبير2021″، كان الأخير أيضا من بطولة الثنائي “ياسمين والعوضي”. سبق للمؤلف تقديم خلطات شعبية مشابهة في أفلام مثل “حين ميسرة ودكان شحاته” حتى وإن تغيرت الشخصيات والأحداث إلا أن الأجواء متطابقة تقريبا، ونلاحظ في أداء العوضي المتصنع استدعاء لروح العبقري أحمد زكي في فيلم “الهروب” بداية من الأداء ثم اختيار طائر الصقر كتيمة ملازمة للبطل، حتى أن بعض المشاهد منسوخة من فيلم عاطف الطيب، ناهيك عن اختيار منطقة الصعيد منشأً للشخصية.
الا أن الجديد مع العوضي أنه يستدعى أداء أحمد زكي على طريقة محمد رمضان سواء على التمثيل والصوت أو من خلال المعارك ومشاهد الحركة والإثارة. أما رمضان وهو واحد من أشهر صنايعية -المجال- فيشارك بمسلسل “جعفر العمدة” تأليف وإخراج محمد سامي، الذي قدم لرمضان فيما قبل أشهر خلطاته الشعبية المثيرة للجدل والاستنكار والمرتبطة بأعمال العنف والبلطجة سواء في السينما أو الدراما مثل “البرنس والأسطورة وجواب اعتقال”.
من مجال مختلف، يأتي مسلسل “الكتيبة 101” تأليف إياد صالح وإخراج محمد سلامة، بطولة “آسر ياسين. عمرو يوسف. فتحى عبد الوهاب” ويتناول الفترة الزمنية لما بعد سقوط حكم الإخوان بمصر حول البطولات العسكرية للتصدي للارهاب في منطقة سيناء، المسلسل يأتي بالتعاون مع إدارة الشئون المعنوية بوزارة الدفاع.
في هدوء
“مذكرات زوج” مسلسل عن قصة الكاتب الساخر أحمد بهجت، وقد تم تقديمها سابقا في التسعينيات بنفس الاسم بطولة “محمود ياسين وفردوس عبد الحميد”، المعالجة الجديدة التي ينسجها برشاقة السيناريست “محمد سليمان عبد المالك” ومن إخراج بسيط وغير متكلف للمخرج الشاب “تامر نادي”، نعيش فيه مع “رؤوف – طارق لطفى” الذي يعاني من أزمة منتصف العمر بعد أن يتفاجأ بانفلات الحياة من يديه وبأن سنوات عمره تتزايد دون أن يحقق ما تمناه، ينظر لصديقة الأعزب المُحاط بالجميلات ويتحسر، يتفاجيء حين تناديه فتاة بأونكل، يعيش منغلقا على نفسه ويشعر أنه شخص غير مرئي بالنسبة لأسرته، وما يزيد الطين بله هو التسلط المفرط للزوجة وهو ما يمنعه حتى من تغيير لمبة الصالون المرتعشة كما يرغب.
تشهد السنوات القصيرة السابقة ميلادا جديدا للفنان طارق لطفي الذي لاقى استحسان الجمهور والنقاد على حد سواء، فقد برع لطفي في القيام بأداء مغاير تماما عن سابق أعماله، وهي عشرات تتنوع بين الدراما والسينما، بدأت أوائل التسعينيات، مع جيل ضم العديد من الأسماء التي لمعت لاحقا كمحمد هنيدي وعلاء ولي الدين على سبيل المثال، وبرغم افتراق الطُرق، بقي لطفي حبيس المنطقة البعيدة عن النجومية وهو ما يتم تغييره الآن.
يتناول “الهرشة السابعة” ضياع المشاعر بين الزوجين أو المحبين في زحام الحياة ومسؤليات الأطفال.
في سياق مشابه، يأتى مسلسل “الهرشة السابعة” وهو من مسلسلات الـ 15 حلقة أيضا، التأليف لورشة مريم نعوم والإخراج لكريم الشناوي وبطولة جماعية لـ “أمينة خليل، محمد شاهين، وأحمد كمال”، يتناول العمل ضياع المشاعر بين الزوجين أو المحبين في زحام الحياة ومسؤوليات الأطفال. في هدوء مماثل، يبرع صناع عمل مسلسل “رشيد – تأليف وسام صبري وإخراج مى ممدوح”، في تقديم حالة فنية جيدة مكتملة العناصر إلى حد كبير. المسلسل بطولة “محمد ممدوح. ريهام عبد الغفور” ويقدم رؤية معاصرة شعبية للحكاية الشهيرة للكونت دي مونت كريستو.
ما تزال الوجبة الدرامية حافلة بالعديد من المسلسلات ستعرض في النصف الثاني من رمضان مثل “تغيير جو- كشف مستعجل – تحت الوصاية – تلت التلاتة – جت سليمة…”، وكلها أسماء تُنبيء بأجواء كوميدية ربما بوسعها إصلاح ما أفسده النصف الأول من الدراما، أو تأكيده.