في البدءِ كانتْ الكلمةُ وفي الفنِ الأصل هوَ اللونُ الذي يشكلُ مساحاتِ الفراغِ على اللوحةِ البيضاءِ. وما بينَ الكلمةِ التي تتكونُ منْ الحروفِ واللونِ الذي يصوغُ بهِ الفنانُ الأفكارَ والخيالات التي تتحولُ إلى عملٍ فنيٍ كانتْ قراءتنا للفنانِ العمانيِ صالحُ الشكيري صاحبَ الإبداعِ في مجالِ تشكيلِ الحروفِ أوْ ما يطلقُ عليهِ “الحروفية”.
بداياتٌ الشكيري
خرجَ الشكيري منْ سلطنةِ عمانَ، بيئتهِ المحليةِ التي تعدُ معين الحرفِ العربيِ المرتبطِ برمالِ الصحراءِ والبحرِ الذي يشكلُ مدادَ اللونِ كانتْ مشهديةُ اللوحة الحروفية التي تيمْ بها االشكيري. بدأتْ رحلته مع الخطِ العربيِ في 1993 ، وبرعتْ موهبتهُ بمساعدةِ الخطاطينَ العمانيينَ الذينَ التقى بهمْ في جمعيةِ الفنونِ العمانيةِ، وبعدُ التدربِ والممارسةِ لمدةِ عامينِ، دخلُ الشكيري بعدها إلى عالمِ الفنِ بشكلٍ احترافيٍ في عامِ 1997 حينَ افتتحَ أولَ معرضِ له، حيثُ نجحَ في استخدامِ جميعِ أحرفِ اللغةِ العربيةِ محولاً الحروفَ إلى عناصرَ تشكيليةٍ ونسجها في قالبٍ فنيٍ أثارَ دهشةً المتابعينَ لهُ .
عمل لصالح الشكيري (pinterest.com)
مشروعُ الشكيرىْ الفنيَ ينتصرُ لإبداعاتِ الحرفِ العربيِ
ترى في لوحاتٍ الشكيري تزاوجَ اللونِ بالحرفِ العربيِ وترصد عين المتلقي عشقا بائنا للغةِ وحروفيتها المبهرةَ دونما أنْ تتكررَ فكرةٌ واحدةٌ في أكثرَ منْ عملِ. فكلُ عملٍ فنيٍ هوَ فكرةٌ مستقلةٌ بذاتها تتناقلها الألوانُ وهندسةُ الحرف بوعيِ وعشقَ دائمٌ. طرائق اسلوبيتهْ تتمايز ما بينَ التشكيلِ اللونيِ للحرفِ العربيِ وبينَ أسلوبية التصميمِ . . الشكيري فنانٌ دائمٌ الإبداعِ كثيرَ التنقلِ والحراكِ في لوحاتهِ لا يستقرُ على شكلٍ واحدٍ لطرحِ رؤيتهِ الجماليةِ بينما تسيطرُ عليهِ دائما نزوعيتهْ للتمردِ التي تدفعهُ غالبا ومعَ كلِ لوحةٍ إلى اشتقاقِ معنى جماليٍ جديدٍ للحرفِ بطريقةٍ مغايرةٍ ومختلفةٍ لكنها في كلِ مرةٍ تتماهى معَ دأبهِ الشديدِ للتغييرِ والابتكارِ في العملٍ الفني الذي يبدأُ في تصميمهِ . طزاجة في الألوانِ وحيويةِ بصريةٍ. تتراوحُ إسهاماتٍ الشكيري إلى النزوعِ نحوَ الإبهارِ في التصميمِ . فهوَ يتنقلُ بإبداعهِ ما بينَ الأبيضِ والأسودِ تارةٌ إلى الألوانِ تارةً أخرى مؤكدا حضورَ العقلِ الفنيِ في كلِ لوحاتهِ حيثُ تختلفُ النظراتُ باختلافِ المكانِ الذي ينظرُ فيهِ المتلقي للوحاتهِ لكنها باختلافِ أماكنِ الرؤيةِ تظلُ الحالةُ الإبداعيةُ تطرحُ دهشتها لدى المتلقي، سواءَ بإحداثِ الصدمةِ الجماليةِ لعملهِ الفنيِ أوْ بمعماريتهِ في إنشاءِ الأشكالِ الهندسيةِ لتصاميمِ حروفهِ.
تصاغ تلكَ السياقاتِ الهندسيةِ للحروفِ بالتوازي معَ براعةِ الاستعمالِ اللونيِ، فبعدَ طرحهِ منْ قبل تصاميمَ حروفية مبنيةً على جدليةِ الأبيضِ والأسودِ نراهُ يتمردُ على لوحاتهِ السابقةِ بالاتجاهِ نحو حروفية جديدةً بتصاميمَ إنشائيةٍ لتخلقَ شكلا حيا للألوانِ في تمازجها معَ الحرفِ. يتعاملَ صالحُ الشكيري معَ الحروفِ بحالةٍ منْ العشقِ تنتجُ إبداعا نلمسُ فيهِ محبةٌ في ثنايا اللوحةِ تكادُ تنطقُ بها الحروفُ في تشكيلها اللوني.
يطرحَ في كلِ مرةٍ إنشائيةٍ حروفية بهندسةٍ جديدةٍ تخلطُ ما بينَ الشكلِ واللونِ في تراتبيةٍ بصريةٍ متماسكةٍ تخلقُ حالةً منْ التوحدِ معَ المشهدِ البصريِ الذي يصنعهُ بقلمهِ الفنيِ.
عمل لصالح الشكيري (islamonline.net)
التمردُ على الذاتِ
يتمردُ على لوحته التي تعدْ بيتَ الإبداعِ فنراهُ يتحول إلى طفلِ تحركهِ نزعتهُ للبحثِ عنْ المجهولِ ليتفردُ على المستوى العربيِ في إطلاقِ ما يمكنُ تسميتهُ بنحتِ الحرفِ العربيِ وذلكَ باستخدامِ مسطحاتٍ خشبيةٍ بطرقِ عدةٍ تتنوعُ ما بينَ الغائرِ والبارزِ أوْ الحفرِ البسيطِ على موادَ سهلةٍ التأثرِ والتأثيرِ على عينِ المتلقي فتخرجُ لنا لوحةٌ حروفية يتعاملَ معها المتلقيَ بانبهارٍ تخلقهُ الوهلةُ الأولى لحداثةِ الطرحِ الحرِ في منحوتاتٍ خشبيةَ. ثمَ ما يلبثُ الفنانُ العمانيُ المتمردُ المتجددُ أنْ يعرف بنحتهِ الحرِ الحداثيِ الذي يشكلُ عنصرا هاما في تجربتهِ التشكيليةِ معَ الحروفِ فيفكرُ في إنتاجِ الحرفِ العربيِ ثلاثيُ الأبعادِ حيث يظهر التمرد على الشكلِ والتصميمِ وأحيانا تتمردُ تلكَ الذاتِ الإبداعيةِ على اللونِ أيضا.
يتحركَ الشكيري بينَ لوحاتهِ الفنيةِ ذاتِ البعدينِ على اللوحةِ البيضاءِ إلى الحروفية ذاتِ الأبعادِ الثلاثةِ ومنها إلى الحروفية التي تنحتُ نزعتهُ للتجديدِ والابتكارِ بقدرِ ما ينحتُ هوَ حروفهُ قاصدا في كلِ مرةٍ يتوجهُ فيها إلى متلقيه بإحداثِ الدهشةِ المبنيةِ على صدمةِ ناتجة عنْ كسرِ المتوقعِ في اللوحةِ الفنيةِ التي يبدعها.
أسلوبُ متفردَ
وسواءً أكانَ يقصدِ الشكيري إحداثِ صدمة الجمالي الغيرِ متوقعٌ في لوحاتهِ بجنى الحداثيِ منْ الفنِ أوْ إطلاق مغايرةٍ تشكيليةٍ تخصهُ فإنهُ لا محالةً يرسخُ لأسلوبيةٍ لونيةٍ وتصميميةٍ إنشائيةٍ لمعمارِ الحرفِ العربيِ تلتصقُ بشخصيتهِ الفنيةِ شاءَ هوَ أمٌ أبى. التشكيلُ الهندسيُ الذي يعرضه الشكيري يفرضِ عليكَ التعاملُ معَ اللوحةِ كأيَ عمل فنيٍ متكاملٍ . . لا تأتيهُ منْ جانبٍ دونَ أنْ تحتويَ رؤيتكَ الجماليةَ باقيَ الجوانبِ. فالتعاملُ معَ التشكيلِ الحرِ لا ينبتُ عنْ رؤيتكَ للتشكيلِ البنائيِ في اللوحةِ وحده، ولا يمكنُ أنْ تتعاملَ معهما دونَ الدخولُ إلى المعطياتِ اللونيِة، حيث لا يكتملُ التلقي دون احاطتكْ ببقعةِ اللونِ ودونَ إدراكِ هندستهِ معَ حروفٍ أخرى في اللوحةِ لتظهر المشهديةُ الكاملةُ لعناصرِ التشكيلِ الفنيِ للعملِ ككلٍ.
لوحة الشكيري متمازجاتْ لا يمكنُ فصلها عنْ بعضها كالفسيفساءِ. التداخلُ والتشابكُ معَ اللوحةِ بمستوياتها الثلاثِ . . اللونيةَ والحرفيةِ والتصميميةِ. ويذهب في لوحتهِ إلى استخدامِ أدواتِ بيئتهِ بقدرِ ما يستطيعُ، فقلم الكتابةِ المصنوعِ منْ نباتِ الحلفاءِ العمانيِ وثباتِ الألوانِ باستخدامِ الصمغِ العربيِ المشهورِ في عُمان عبر تاريخها ونباتِ الشبه المشهورِ، كما أنه يحصلُ على اللونِ الأحمرِ منْ نباتٍ يعرفُ في عُمان بدمِ الأخوينِ.
عمل لصالح الشكيري (qannaass.com)
سيرةُ الفنانِ الشكيري
صالحِ الشكيري المولودَ عامُ 1977 في سلطنةِ عمانَ هوَ عضوٌ جمعيةِ الفنونِ الجميلةِ العمانيةِ، وواحدٌ منْ المؤسسينَ والمشاركينَ الناشطينَ في كلٍ منْ نادي الخطِ العربيِ وستوديو الشبيبةُ. التحقَ بمعهدِ الخطِ العربيِ في عمانَ في السيبْ، وتعلمَ نوعينِ منْ الخطِ العربيِ هما الرقعةُ والنسخُ. أسسُ الفنانِ والخطاطِ صالحَ الشكيري منذُ عامِ 2009 شركةٍ (إيهْ وانْ للاستشاراتِ الفنيةِ) وهيَ عبارةٌ عنْ مؤسسةٍ عمانيةٍ معاصرةٍ فنيةٍ تجاريةٍ، تعملَ في المجالِ الاستشاريِ الفنيِ وتساعدُ العلاماتُ التجاريةُ على نسجِ حزمٍ فنيةٍ تتماشى معَ أفضلِ القصصِ الخاصةِ بمشاريعهمْ وتصاميمهمْ الداخليةِ والخارجيةِ والمحيطةِ بهمْ وعلاماتهمْ التجاريةِ. عرضُ أعمالهِ عالميا في كلٍ منْ ألمانيا وباكستان وكوريا الجنوبيةِ والولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ والإماراتِ.
علي الشوكي: صحفي مصري يعمل بجريدة المصري اليوم (qannaass.com).