صرخةٌ في وجه الصمتِ وظلال المرايا | د. عزيزة الطائي
لم يبقَ إلّا «أنا» أرقب الزمن/ من مرآة مهشمة، ولا أرى سوى/ تساقط الملائكة من السماء/ والأطفال يعبرون الجسر المعلق بالأكفان
صرخةٌ في وجه الصمتِ وظلال المرايا
رباه،، رباه..
القنابل تحلق لا الحمامات
في مدينة ليس لها رائحة الورد
أنهار دم على امتداد ساحلها الفضي.
بينما،، زلزلة الجبال في وحشة الليل
توقظ صمت اللوحات
تشعل لهب الكلمات
تهوي بالألحان المعزوفة
على أوتار الكمنجات الخرساء
وصخب الماء الساري بالدماء.
***
رباه،، العدم حمل ستاري، أفزع وجداني إلى المجهول
لم يترك إلّا يباس النّهار بين الأحراش.
صرختي تتجذر بانحسار عند انزلاق الآهات..
لم تجد لها نهاية في فضاء مدينة تعانق تلاوة
أسفار التوراة
رسائل الإنجيل
آيات القرآن
يكسوها الغبش دون ضياء ونور ولمعان
فراشها القيح دون سلام وأمان واطمئنان..
لكأنها تُزَفُّ للموت أمام مجانين الدم عند خطوط المشاة
فما بين الدمعة والغبن.. الأمل والحلم
تتوارى أكوام الخسارات أمامي، وأنا أُمنِّي قلبي بالزهر
لنبوءة قبر أوسع.
***
رباه..
ما أقسى أن يغمرني حضور اللون
لون الأحمر القاني
مستوحشةً في قبة الليل
هائمةً دون دليل مع عتمة النهار..
أقرأه وأعيشه كل يوم..
أشباح أطفال، وهياكل أنسية، وكائنات غريبة
كأساطير عوالم منسية هجرها الدهر
حتى تدافعوا ناظرين إلى النهار.
بينما يوهم ظل الزمن بعبورهم لوح السماء
حيث أرض تناثر عليها الهواء الأسود قطعا عتيقة.. وبقيتْ
رايتها منصوبة بألوان الأحمر والأسود والأبيض والأسود
فبدتْ تتلظى في دوران مفاتيح الحلم
باحثة عن شهوة عطر،
وردة مقطوفة
كعروس تنهض وتتهادى بزيها الصاعد جذور حب
كطائر العنقاء يتجدد بين موت وحياة
رغم سَوْرة الأصابع التي كانت على الزناد..
ناظرة للغد.. لغد بلا دم.
***
رباه.. جثث تتوارى تحت الزمن
يطويها المكان في تجاويف ماء عكر
يفوح عبيرها مسكا من تراب الأرض.
تتهادى صرخة من نوافذ الصمت
يتشقق الصخر بالعشب
على موعد مع البرق والرعد
رغم انعدام توازن الأرض.
يرتسم المصير بأغنيات على وتر الضياع
صوتي صداه من صرعى الماء الملتمع في القيح
أسماك تسبح في بركة دم
وأطيار بلا أجنحة ترفرف في الحلم
وهي تصارع مرآة الدم
لا مرح للأطفال.
ضحايا صرخة الحمام
يعيدون بناء الفكرة خلف الخيام
من بين أوردة القلب
يرتبون خارطة الوطن فرادى وجماعات
من شجرة التفاح المحرم
عند طابور الحياة المعبأ برائحة
الطين والطحين
الزيتون والبرتقال
الزهر والريحان
النار والدم.
***
رباه يا رباه
من بين زلازل الأرض
ومواويل الفقد..
أدوس على جمر الحقيقة
أسماك تتهادى في الشباك.. طيور تُرَّتِل تغريبة الحرية
أشجار تسافر مع الروح.. وصرعى يبتسمون للموت
عيناي تغزل المشهد،، أصابعي تعزف الصمت
أملًا بالعدالة، رجاء بالخير عند محاصرة الحياة.
***
رباه في عتمة الضجيج، وتهنئة الموت..
أُلوِّحُ لهم عند أسلاك العبور،،
لعلي أكون أكثر حظًا
نبضي يتسارع، عيناي ترتعدان، قدماي ترتجفان
حتى خطفتني الاحتمالات أمام عرس الدم
رجل يدفع امرأة بنصل يبرق منه القلب
في مساحة لامعة من أوردة اللهب
ورؤوس يلعسها تمزق الجسد
إلا من فكرة.. يقين بالنصر
فهل أجهز الكفن؟!!!
***
خطوة خطوة أسير نحو الشمس
كجدائل تعاكس الريح
فيرتسم المصير
أينما اتجهتْ ألسنة اللهب
بلا وجه، ولا ذراع، ولا قدم
سوى صوت يعزف أغنية النصر
في تراتيل تقص ما تراه مرآة العين والقلب
حتى توضأ الجسد من محرقة الدم.
***
رباه.. هناك.. طفلة تلهو بين ممرات الخديعة
كزهرة نسيها الدهر.
وامرأة تحت ظلال شجرة الخريف
تطرز ثوبها العتيق
بنقوش من لوحة الفقد.
بينما عازف الربابة ينحت الكلمات
من صخرة سوداء
فتتهادى صيحته بأغنية حزينة
تنسل نغماتها من نيران ثورة السنابل الثائرة
حتى تمزق الجسد
من خريف العمر
متوشحة راية ألوانها بلون شهداء المجد.
تشرق بزهر أغصان الميرمية
وتبتهج بأوراق الزعتر
تزهر برائحة ثمار الزيتون
وتستنير بعصير البرتقال.
دون أن يطعنها سياج الشوك.
لذلك سأعشق الفكرة
سأعشق نبضها لأنها من حريق
دخان الدم والجمر.
***
أتتبع نجوم السّماء في فضاء يكسوه الرماد
لا أرى سوى امرأة تعانق الراية
وفلاح يحرث الأرض
وطفل يتشبّثُ بزيتونة الحقل
وثكلى تدفع بابنها إلى لهب لؤلؤة الأرض
بينما النيران تتصاعد من بين أشجار الزيتون والبرتقال
تلامس أرواحا عارية من كل شيء
سوى رائحة رماد الأرض، وأنفاس آهات الوجع.
***
رباه.. النهار سيد عتمة الليل
الشمس تخطف الدخان
من عشب بستان على موائد القلب.
رفات الأطفال عند ألوان المراجيح رائحته الرمل
وحبة قمح يسرقها الضوء مع الفجر
روحي تعالقت في شباك الألم والدم
عند سياج الشوك.
فكيف للموت أن يصمد كل هذه السنين
كيف له أن يسير بي إلى وابل الرصاص الغادر
ولا ظل في الميناء سوى الأحمر الأبيض
تهديني الطريق هواء خانقا
ولا يدركه تعب الحصاد؟!!
فليسقط العالم كله..
أمام حقل تجارب الإبادة!
هكذا،، رحلوا بأكفان أحلامهم
عند موانئ الضياع
حتى تساوى الليل والنهار.
لم يبقَ إلّا «أنا» أرقب الزمن
من مرآة مهشمة، ولا أرى سوى
تساقط الملائكة من السماء
والأطفال يعبرون الجسر المعلق بالأكفان
وامرأة عند عتبات المدينة تعزف تراتيل مغيبة
تعانق الحلم بالنصر
تحتضن وشاحًا أحمرَ موشى بالبياض
حصاده من مجزرة الدم..
بكى الأموات نشيد الوطن في عتمة الليل
حتى الفجر..
ميناء المدينة محاط بغول يحتضر
مضت العربة فارغة تشهق بالجوع والخذلان
بقدمين متشققتين تسابقها الريح.
***
رباه، قصائدنا عند المرافئ توقظ العدالة، لترى الحرية
من دهاليز البطش والظلم تدحرجت صخرة
أغدقت على الأرض ماء زلالا من الغيث
طير اليمام غرّد على ضفاف القلب
رتل معزوفة الحرية والفرح
جاء صوته رخيما من شرفة الحقيقة
أيقظ أعراس الشهداء بالرذاذ والنوّار والياسمين والنعناع
فأزهرت القوافي رسائل حلم، وابتسم المناضل ببشارات الخير
استراح شهيد الأرض
على نغمات قصيدة تغني الحياة والموت.
تبددت سحب السّماء والغيوم على غير العادة
هامسة بالأمنية تحت ظلال البيادق
معلنة الصمود والكرَّ دون يأس والفرَّ.
***
نص ملحمي جميل، كل من يقرأه- سيتمنّى لو أنّه كان كاتبه.