قراءة في مجموعة «طفولة الرمل» للقاص العُماني أحمد الرحبي
الحياة مجرد ذكريات، والحنين ما زال يسحبه بحبله المتين إلى العتبة الأولى من خطواته على الرمل، محلقا من عزلته الصغيرة في الحي المزدحم والمصمم على شكل مكعبات أسمنتية، إلى تلك الفضاءات الملونة بالأخضر والأزرق وبالرمل. مصورا الأمل على شكل شعلة نار في ليل حالك الظلمة، يوقدها حتى في لوازمه الشخصية. يبدأ الكاتب والقاص العُماني أحمد الرحبي مجموعته السردية «طفولة الرمل» والصادرة عن كتاب مجلة نزوى في مطلع عام 2023 بنص تساؤلي عن نهاية العالم على أيدي العقلاء، العالم الفائض بإدعاءات العقل الذي لو واجه الجنون في دربه لأصبح الجنون هو الكائن الذي يفترض أن يقود العالم، مفترضا أن على الجنون أن يفلع العقل بحصاة ليشل حركته ويجعله صفحة جديدة بيضاء من كل الوصايا التي شكلت مجده. في هذه المجموعة المكونة من ستة عشر نصا والمطعمة بشذرات تأملية، والتي صدرت في عام منكوب على كل المستويات، يأخذنا المؤلف عبر محطات إلى طفولته وتساؤلاته الساخرة التي تأتي كنص أو متشظية في الفراغ، ناسجا العالم الصغير الذي رآه والقرى التي شكلت رائحتها ذاكرته وما زالت عالقة في أنفاسه. وبتلاقح شبه ضمني نجد في النصوص الأخرى تلك الثنائية الحاضرة بين الجنون والأمل. ففي النص المعنون بـ«حجر الجنون» يمنح للجنون مشروعيته في تأسيس حكمته الجديدة من أجل إنقاذ العالم المبني على توافقات مهترئة، ثم يسطع الأمل في النص الثالث عبر شذرة ملونة بالسواد: «لا تستطيع أن ترسم زهرة في الظلام، بينما مجرد قطعة فحم تستحيل في الضوء إلى جدارية كبيرة لحقل واسع من الزهور». أما النص المعنون بـ«طفولة الرمل» والذي حمل إسم المجموعة، وهوالنص الأطول فيها؛ يدخلنا أحمد الرحبي إلى عوالم قرية صغيرة ساحلية، واصفا بيوتها الخشبية وكأنها سفينة نوح في عبورها للطوفان، معبرا عنها جماليا من حيث تفاصيل المكان ملتقطا صورا رومنسية عن رملها المستكين في لحظة ما والمتطاير في أحايين أخرى. أما الشخصية الحاضرة في هذا النص هي شخصية المجنون العاشق المتسمر أمام شاشة التلفاز والمغرم بالمذيعة مقدمة النشرة الإخبارية. أما بقية الشخصيات، تأتي كوصف لأحوال الناس ومهنهم وعلاقتهم باليومي وعصاميتهم أمام تحدي الزمن، واصفا إياهم بالأبطال المغامرين كونهم لم يرتهنوا إلى وظيفة تحجمهم وتفقدهم حريتهم.
ثم تتوالى بقية النصوص بين المكان القصي في الذاكرة والحاضر المكبل بأسئلته كما في النصوص الأخرى، ففي قصة البيت يحلق بنا القاص إلى طفولته المبكرة بيتهم الطيني القابع وسط غابة من النخيل، والذي كان شامخا مقارنة ببيوت الآخرين ولكن الزمان له حكمته، عندما تداعى وتفكك بسبب الأمطار الغزيرة، وذاب كقطعة بسكويت. مما أضطر والده إلى تجديد البيت، رغم أن البيت مر بمراحل تجديد سابقة مع كل دورة مناخية قاسية. هنا يظهر المكان الحالة الإجتماعية لسكان المكان، رغم المآسي إلا أن التآلف والإنسجام يشمل الجميع. وفي نص الوادي، يكمل القاص سرده عن المكان وما يشكله الوادي من فرح وخوف، فكما يفرح الأهالي بقدومه ليعم الخصب، إلا أنه مصدر تخريب ودمار إذا زاد منسوب الفيضان. وفي نص تويتر والشيطان يحيلنا إلى الحاضر وأسئلته، طارحا سؤلا ساخرا متخيلا ماذا لو كان للشيطان حساب تويتر؟ هل سيكسب ملايين المتابعين أسوة بنظيرته وكالة الإستخبارات الأمريكية؟
حاول الكاتب في هذه المجموعة أن يخط أسلوبا مختلفا في السرد، بلغة بسيطة وسهلة، ناثرا شذرات تأملية تدعم خيط السرد، بلغة رشيقة تتبع بعض خطوات الطفولة، وما اكتنزته فيما بعد من تشكلات في الوعي، ملقية بظلالها ورؤاها وأحلامها المجنحة.
***
قراءة في مجموعة «طفولة الرمل» للقاص العُماني أحمد الرحبي؛ بقلم محمود علي
الأديب العُماني محمود علي