شاعرٌ إنسانيّ فيما وراء الايديولوجيّة
عن منشورات تكوين في الكويت ودار الرافدين في بيروت، وضمن سلسلة “نبوءات”؛ صدرت حديثاً الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الإيراني البارز أحمد شاملو وبترجمة الشاعرة والمترجمة العراقية مريم العطار، فيما قدّمها الشاعر السوري أدونيس.
جاءت هذه الأعمال في مجلدين، حيثُ يقول أدونيس الذي كانت له صداقة مع شاملو، في معرض تقديمه لها:
أحمد شاملو شاعرٌ إنسانيّ، فيما وراء الإيديولوجيّة. كان أوّلاً، ذاته وذاتيّته، بعمق وتأصُّل. هكذا أتقن الانفتاحَ على الآخر، واعياً أنّه لا يقدر أن يكون ذاتَه إلاّ بقدر ما يكون الآخر. واعياً أيضاً، أنّ الخلاّق، شعراً وفنّاً وفكراً، يتعلّم دائماً، ولا يقدّم نفسه إلى الآخرين بوصفه معلِّماً. غير أنّه يحاول فيما يتعلّم أن يُضيء وأن يُشير، وأن يرمز، وأن يطرح الأسئلة على الأشياء لكي يزداد فهماً لها في علاقاتها ــ وفي مآلاتها. هكذا ليست قصائده تعاليم ــ وإنّما هي أماكنُ رحبةٌ وفاتنة للّقاء بينه وبين من يعرف كيف يقرأ. وهو مكانٌ للفرادات: مكانٌ لمزيدٍ من التّساؤل، والفهم، والاستقصاء، والإحاطة. فلا يطرح الشعر أسئلته على العالم وحده، وإنّما يطرحها كذلك على نفسه، كي يظلَّ يَقِظاً في حدوسه وفي رؤاه وفي رؤيته.
القصيدةُ أفقٌ، وليست رغيفاً. وهي بحثٌ متواصلٌ وليست يقيناً جامداً. وهي، بوصفها كذلك، وفي الوقت نفسه، سؤالٌ عن العالم، وسؤالٌ عن الإبداع، وسؤالٌ عن الشعر.
إنّها، معاً، رؤيةٌ في الاستقصاء، وفي التّجاوُز، في التّأصُّل وفي التّخطّي. في الاختراق وفي التّحَوُّل. في القطيعة وفي الوصل بين الكائن وما يكون. إنّها مكانٌ تتلاقى فيه الأزمنة ماضِياً وحاضِراً وآتياً.
من أجواء القصائد، نقرأ:
“كانتْ الفرصةُ قصيرةً للغاية
والحدثُ غير متوقعٍ
لَمْ يحالفنا الحظُّ أنْ نتذوقَ الرّبيعَ جيدًا
لأنَّ القفصَ يُذبلُ البُستان
خابَ ظنّي
بالشّمسِ والشهيقِ
وشفاهي لَمْ تُشبعْ مِنْ القُبلِ
عاريًا
قلْ لهم يدفنوني عاريًا
عاريًا تمامًا
كما نصلي مِنْ أجلِ الحبِّ-
بلا شائبةِ الحِجابِ
سأمتزجُ بحبٍّ مَع التّرابِ”.
أحمد شاملو (1925-2000): شاعر إيراني بارز، صدر ديوانه الأول عام 1947، فيما تُرجمت أعماله إلى اللغات السويدية والإنجليزية واليابانية والفرنسية والإسبانية والألمانية والأرمينية والهولندية والرومانية والفنلندية والكردية والتركية.
عمل شاملو عام 1952 مستشاراً ثقافياً للسفارة المجرية فيما قامت المستشارية الثقافية للسفارة الألمانية لدى طهران بطباعة كتابه “الليلة الشعرية الإيرانية الكبرى” عام 1968.
تَرجم إلى اللغة الفارسية قصائد عدد من الشعراء العالميين من مثل مارغوت بيغل وتيد هيوز وفيديريكو غارسيا لوركا.
توفي عام 2000 بعد صراع طويل مع المرض ودفن في مدينة كرج (غرب العاصمة طهران)، وقد شيع جثمانه في شوارع طهران بحضور عشرات الآلاف من محبيه.