صدر حديثا

صدور رواية «للحب مجيء ثان» لـ بسمة بن سليمان

للحب مجيء ثان رواية صدرت حديثا عن دار خريّف للنشر . وهي العمل الروائي الأول للدكتورة بسمة بن سليمان. جاء إصدار هذه الرواية بعد مسيرة حافلة أصدرت خلالها د. بن بسليمان عدة دراسات ومنشورات اهتمت بشكل رئيسي بالسرد وأجواءه وتفاصيله، فكان عنوان أول مؤلفاتها: الهوية السردية للبطل في نماذج من القصص العربي القديم، ثم غاصت أكثر في بحور السرد لتخرج بموضوع شيق وشائك وهو موضوع: الجسد والسرد من الأيروسي إلى الموبيوسي، كما لها مؤلف جماعي وعنوانه “كتابات الأنا في تونس” وغير ذلك من المقالات والدراسات التي تتناول مسائل السرد.

جاءت رواية للحب مجيء ثان الصادرة عن دار خريّف للنشر، ولئن اختلفت في جنسها عن ما سبق من المؤلفات إلا أنها ترتبط معها في فكرة البحث عن الهويّة، في طرح أسئلة لا تموت، في السعي لتحويل الكتابة إلى “فعل مقاومة” كما تقول د. بسمة بن سليمان. والمقاومة هنا ليست بالضرورة هي مقاومة معنية ومادية، مقاومة للشكل التقليدي لكتابة الرواية، مقاومة للجمود الفكري ولنخبوية حصرت الدراسات ومواضيع الجسد والهوية والبحث عن الذات في بوتقة فلسفية.

“للحب مجيء ثان”، رواية تحتفي بالحياة. كل أبطال الرواية، مهما اختلفت مشاربهم وثقافتهم ولهجتهم ومستواهم الدراسي التقوا في بحثهم عن هوّيتهم والتقوا في النهاية عند نقطة جامعة. المفارقة هنا أن هذه النقطة الجامعة كانت الموت. حتى الموت جعلت منه الكاتبة مبعثا للحياة ومفتاحا لفرصة ثانية. مات البطل جابر ليحي بقية الأبطال، وليحي الوطن.

يظهر من أسماء أبطال الرواية أنها ذات دلالة سياقية ورمزية، فنوح ذلك المسافر “الهارب” من والوباء الذي أصاب المدينة نحو الغاب، لم يحمل معه من زاد سوى ذكرياته، لتعيده بعد ذلك نعمة، الزوجة الهاربة من تشدد زوجها وتطرفّه. رحاب، صابر، ماهر، كلّ يبحث عن ذاته وهويته جمعهم إحساس بالاغتراب وحلم بمدينة “فاضلة”، لكن كيف “يمكن إعمار المدن وإنسانها مهدوم محطّم، فالمدينة روح قبل أن تكون إطارا”.

هذا الحوار الذي جاء في الرواية ربما يكون اختزال لذلك البحث:

أصغى صابر إلى الجميع باهتمام ثمّ قال:

– المدينة التي أحلم بها هي تلك الّتي لا نفقد فيها المحبّة، لأنّنا إن فقدناها فقدنا المعنى.

نظرت إليه نعمة بفضول وهي تسأله:

– وما الّذي يمنع المحبّة عنّا؟

– غياب المعرفة وانتصاب الأوثان الّتي تقدّم لنا صورة مشوّهة عن أنفسنا وعن العالم.

ضحك ماهر وهو يقول:

– كأنّني بك تتحدّث عن مدينة العلماء لفرانسيس بايكون..

– بل أتحدّث عن مدينة لا يكون فيها مؤشّر السّعادة منخفضا.

واصلت نعمة طرحها للأسئلة:

– وما علاقة المعرفة بالسّعادة؟

– بالمعرفة تتحقّق العدالة الّتي هي سبيل إلى السّعادة، لأنّ الظّلم يزدهر في مناخات الجهل والفوضى أين يغيب التّفكير وتحضر الغرائز المتوحّشة ويتمّ استحداث أشكال من الهيمنة السّياديّة الظّالمة.. بالمعرفة يزدهر الفنّ وترتقي الأشكال الهندسيّة ويتحقّق التّناسب الجميل في المعمار وفي الموسيقى وفي كلّ مظاهر الحياة.

عقّب ماهر على كلامه قائلا:

– كلّ هذا جميل ولكنّه غير كاف يجب أن نستثمر وعينا في توحيد جهودنا والمطالبة بتغيير حقيقي في التّشريعات والقوانين الحالية.

قال نوح:

– يجب أن نصنع الثروة من أرضنا فباطنها كفيل بكلّ احتياجاتنا.

أجابه صابر قائلا:

– مع الأسف نحن مجرّد سكّان على هذه الأرض.

هتفت نعمة:

– أريد أن أواصل دراستي في معهد خاصّ.. من منكم يساعدني؟

كانت طريقتها في قطع مسار النّقاش عفويّة إلى الحد الّذي جعل الجميع ينفجر ضحكا. ربّت نوح على شعرها وقال:

– سأساعدك. ولكن بعد أن أسوّي الإشكال مع الشرطة الاقتصادية فأنا مضطرّ للعودة إلى القرية وقد أجّلت تلك العودة أكثر من مرّة.

خرج جميعهم من المقهى وهم يضحكون ويمرحون وقد نسي كلّ واحد منهم كدر نفسه، كان السّير في شوارع المدينة ليلا مغريا رغم أنّه غير آمن. كثرت جرائم العنف والنشل وتحويل الوجهة، وانتشرت مجموعات منحرفة تروّع النّاس في محطّات المترو وتسرق ركّاب الحافلات.

مجلة ثقافية تنفتح على أشكال الأدب والفنون في تَمَوجها الزمني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى