حواراتمسارات

محمود الرحبي: الرواية عمل تجريبي يصعب ضبط قوانينه

حوار: سامر أنور الشمالي

حوار مع محمود الرحبي – حاوره سامر أنور الشمالي

 كتب القاص والروائي العُماني محمود الرحبي القصة القصيرة والرواية، وحقق حضوره كقاص مميّز قبل الانتقال إلى كتابة الرواية التي حقق فيها نجاحات لا تقل أهميّة، لقد نجح ضيفنا في صنع مسيرة أدبية مميزة في سلطنة عمان بشكل خاص، وها هي تحقق حضورها في المشهد الأدبي العربي.

في هذا الحوار نضيء خصوصيّة العالم الأدبي للكاتب محمود الرحبي:

*عمر الرواية في عُمان لم يتجاوز الربع قرن، وربما هي من أحدث التجارب الروائية في الوطن العربي. فهل هذه التجربة تجاوزت مراحل التجريب الأولى؟ وإلى ماذا تحتاج اليوم؟

نعم.. ربما عمر الرواية قصير في عمان، وقد كان التأسيس السردي مع القصة القصيرة، فيوجد تراكم قصصي مهم ويمكن الحديث في هذا السياق عن جيلين للقصة القصيرة. أما الرواية فهي تعيش مع الجيل الأول حاليا. بالنسبة لمراحل التجريب فهي- في تصوري- تنبثق مع كل عمل، طالما أن الرواية بحد ذاتها عمل تجريبي يصعب ضبط قوانينه. الرواية أصبحت الآن تغري الكثيرين لذلك نجد أسماء جديدة في كل مرة وبالتالي روايات جديدة. يظل تحققها الأدبي من عدمه رهين الزمن.

*ما السمات أو الخصوصية التي ميزت الرواية العُمانية عن الرواية العربية؟ وأين كان الاختلاف؟ وأين نجد التشابه؟

قد يكون حضور البيئية العمانية هو ما يميز الرواية العُمانية عن غيرها، محاولة الكاتب العُماني أن يتماهى مع بيئته ويستثمر مفرداتها في كتابة رواية أتصور هو ما يميز هذه الروايات بحيث أن القارىء يمكن أن يجد فيها ما لن يجده في روايات عربية. والآن دخلت حتى اللهجة العُمانية ضمن هذه المفردات كما رأينا مع بعض الروايات، ودون الحاجة أحيانا إلى وضع هوامش، طالما- وربما هذا لسان حال الكتّاب- أنها أي اللهجة ضمن اشتقاق الفصحى التي تجمع اللهجات العربية جميعا، وطالما أنها لا تأتي ضمن المتن إنما ضمن الحوارات والديالوجات الحميمية، ويكون ذلك في حدود قصوى معقولة.

*الرواية العُمانية بدأت تنتشر خارج حدود السلطنة مع نيل كتّابها لجوائز عربية قدمتها إلى المشهد الأدبي. فهل أنصفت هذه الجوائز الرواية العُمانية؟ أوأنها أتت متأخرة بعدما حققت الرواية العُمانية حضورها الخاص؟

أظن الجوائز جزء مهم من تقدير الرواية العُمانية، والأدب بعمومه. تساعد الجوائز كثيرا في انتشار العمل الفائز. وتدفع به إلى طبعات جديدة كما حدث مثلا مع رواية (دلشاد) لـ(بشرى خلفان)، وهي أكثر رواية عمانية تم تجديد وإعادة طباعتها حتى الآن حسب علمي.

*هل ما قلناه عن الرواية ينطبق على القصة القصيرة العُمانية؟

لا أظن. القصة صارت هامشا بسبب سيادة الرواية وربما كان للجوائز دور في توجيه ذائقة القارىء إلى الرواية.

*في أعمال محمود الرحبي نتجول في أزقة الحارات العُمانية، ونجلس في فيء أشجار الريف. ما علاقتك بالمكان الواقعي؟ وكيف ترى المكان المتخيل؟

ربما ثمة استثمار غير واع للبيئة المعاشة، فالكاتب عادة تدور مخيلته فيما يعرف، وإن كنت لا أكتب أدبا واقعيا بالمعنى الحرفي، ولكن ينعكس الواقع بالضرورة على كل ما أكتب، كما ينعكس السفر والقراءات أيضا، إن كل ذلك وقود ضروري للكاتب وخاصة كاتب السرد. الأغاني الشعبية والرقصات والحكايات يمكن استثمارها في الأدب الحديث، يعد ذلك بمثابة إعادة وإحياء لها بدل تركها سجينة الشفاهي أو الذاكرة أو التراث البعيد، مع استثمار المتخيل في إعادة صناعتها بحلة جديدة. الأدب الغربي قطع أشواطا كبيرة في ذلك، وأحيانا يستعيرون من الآداب الشرقية والعربية كما حدث مع المتن العربي (ألف ليلة وليلة) حين استثمرت مثلا في روايات غربية كثيرة، ليس حصرا رواية (اسم الوردة) لـ(أمبرتو إيكو)، و(الخيميائي) لـ(باولو كويلو)، ونحن هنا مع أكثر الروايات شهرة ومبيعا في العالم. ولابد ثمة أمثلة كثيرة يصعب حصرها.

*على صعيد آخر نجد أنك أخذت البناء الفني من الحكايا الشعبية في بعض أعمالك. فهل هذا كان بديلا عن الموروث السردي الحديث؟ ولماذا تلجأ إلى هذا الخيار في الكتابة؟

نعم هناك استفادة في تجربتي المتواضعة من التراث الشفوي العُماني، ولكن ليس بصيغة توثيقية، بقدر ما هو تمرين على تحويل الشفوي إلى مكتوب- إن صح التعبير- وذلك عبر تزويج المخيلة باللغة- إن صح التعبير أيضا-. وهناك تجارب عربية في هذا السياق. خاصة وأن تراثنا العُماني مليئ بذخائر يمكن استثمار موادها الحكائية عبر خطاب سردي حديث.

*هل تتفق مع آراء بعض النقاد الذين وجدوا أن محمود الرحبي قاص تكتب الرواية، وذلك باعتبار حضورك الأدبي مصدره أعمالك القصصية، وأن أعمالك الروائية قصيرة أو تتجزأ إلى فصول شبيهة بالقصص؟

رأي أحترمه طبعا. ربما حتى رواياتي مشدودة أكثر إلى القصة بكثافتها. أعتبر السرد جنس بلاغي بالأساس والبلاغة من أُسَسِها الإيجاز والإشارة. ولكن لا ننسى أن روائيين عرب كتبوا القصة وحين اتجهوا للرواية ظلت رواياتهم أقرب إلى القصر مثل (إبراهيم أصلان). ومن الروايات العربية الشهيرة (خالتي صفية والدير) لـ(بهاء طاهر). لذلك التحدي ربما في مثل هذه الروايات القصيرة هو كيف يستطيع الكاتب أن يبني عالما متكاملا في صفحات قليلة، لأن ثمة روايات عربية من فرط وفرة الورق فيها لن تتأثر لو أن القارىء الكاتب حذف منها مئة صفحة أحيانا.

*في الختام يخطر في بالي السؤال التالي: لماذا لا نجد جائزة من السلطنة تدعم الرواية العربية؟ أو القصة أو المسرح؟

سأضم صوتي إلى صوتك إلى الدعوة إلى أن تكون هناك جائزة أدبية عربية تتبناها جهة ثقافية عمانية. سيكون الأمر جميلا لو حدث، وإن كان هذا يحدث على مستوى (جائزة السلطان قابوس)، ولكن ربما تقصد جائزة أدبية صرفة وليست ثقافية عامة، وهذا أيضا أراه مهما في المستقبل، كون الجوائز الثابتة تخلق مع الوقت قاعدة مهمة للمتابعة والعطاء، كما أنها تخلق تقاليدها أيضا مع الوقت، على سبيل المثال (جائزة نجيب محفوظ) التي تتبناها الجامعة الأمريكية في القاهرة، استطاعت بسبب عراقتها أن تبذر سمة ثابتة نوعية للرواية العربية. هناك كذلك حاجة لجائزة شعرية ثابتة ترتقي باللغة العربية، كون للشعرية العربية متن تطور عبر الأزمان وترك في كل مرحلة رموزه ومتونه المؤثرة، على غرار جوائز الشعر الموجودة في فرنسا مثلا، والتي أحيانا يحوز عليها شعراء عرب، مثل ما حصل مع (عبد اللطيف اللعبي) ومنذ أيام مع (نوري الجراح). ونحن نعرف أن الشعر تراجع كثيرا بسبب التركيز على الرواية. نجد عودة مهمة لكتابة القصة بعد أن دخل ميدان التنافس الرصين، هناك مثلا جائزة الملتقى للقصة العربية بالكويت. الشعراء صاروا يدخلون إلى هذه الجوائز عبر أنواع أدبية بديلة كالرواية أو السيرة الفكرية. لا نقلل من شأن الجوائز أبدا، ولكن يمكن أن نقلل من قدرتها على إبراز الأدب الجيد، لأنها تعتمد على الأذواق بالأساس، وعلى تلقف الجديد، بينما الذائقة الطبيعية تُبنى عبر تعاقب الزمن. (جائزة نوبل) مثلا لا تهتم بالجديد بقدر ما تهتم بالتراكم النوعي والكمي، لأنها جائزة زمنية بالأساس، وأحيانا تعطي الكاتب بعد أن يكون قد بلغ الضفة المقابلة حسب مقولة منسوبة لـ(برنارد شو).

الأديب السوري سامر أنور الشمالي

خاص قناص – حوارات

مجلة ثقافية تنفتح على أشكال الأدب والفنون في تَمَوجها الزمني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى