ترجمة علياء الداية
“إذن ستأتي لجنة الأخلاق لإلقاء نظرة، وبعدها؟”
“أجل”. فرك طالب الدكتوراه عينيه بيديه قبل أن يلقي نظرة على مشرفه.
“هذا مزعج بالفعل. أنا قريب جداً من نهاية تجرِبة الاختبار. إنني تقريباً لم أنم منذ أن شرعت بالعمل فيه قبل أسبوعين”.
نظر المشرف إلى وعاء الاحتواء الواسع، ثم انحنى إلى الأمام ليفحص إحدى شاشات الحاسوب، وما لبث أن قطب حاجبيه أمام نقطة حمراء مضيئة لامعة.
“كيف حصل ذلك؟”
تنهد الطالب: “لقد خرجت لاحتساء فنجان من القهوة”.
حدق فيه المشرف، وحاول جاهداً أن يلجم صوت غضبه:
“أنت تجري محاكاة واسعة النطاق للعالم تشمل 99% من حياته، وفجأة تخرج لاحتساء القهوة؟”
تململ الطالب:
“كنت على وشك العودة تماماً قبل الحاجة لأي تدقيق في نتائج المعاملات، ولكن…”
“ولكن؟”
“حسناً، لقد كنت أتحدث مع إيفيت من خلال الحسابات، و… حسناً…”
“و…؟”
“حسناً، كنت على الدوام مولعاً بإيفيت، ولذلك كنا نتحادث، و… حسناً، أقنعتها بلقائي لبعض الوقت”.
“آه، كم هذا رائع، أنا مغتبط جداً. وهكذا فإنك تكون قد ضيعت ميزانية هذا القسم للسنتين القادمتين”.
وخيم الصمت لبرهة.
“إذن، عدت لاحقاً إلى وحدة التحكم واكتشفت بأن حياة ذكية قد نشأت داخل المحاكاة”.
“أجل.”
“وهذا ما كان واضحاً من البداية أنه سيحدث، بما أنه كان لديك نسخة نموذجية من عالمنا، الذي حَسَبَ ما نعرف، ظهرت فيه حياة ذكية، على الأقل جزء منها ذكي”.
“أجل”.
“ولكن بدلاً من أن تستخدم ذلك القرص الصغير لإيقاف تلك الأمور على المستوى البكتيري، ذهبت للتسكع برفقة إيفيت إلى حيث آلة القهوة”.
“في الواقع لم يكن التسكع هدفنا”.
“لا يهمني ما كنتما تقومان به، انظر، هلاّ قمنا بإطفائه قبل أن تصل لجنة الأخلاق إلى هنا؟ نحن تحت الأمر الواقع، لندعهم يقوموا بتحقيق حول الموضوع وحين يهدأ غبار القضية يمكننا البَدْء من جديد”.
نظر الطالب من حوله بفزع: “لا نستطيع فعل ذلك، هناك البلايين منهم”.
“البلايين! كم من الوقت مكثت خارجاً مع هذه المرأة إيفيت؟”
انتفض الطالب: “لم يكن وقتاً يذكر، في الواقع إنه ليس سوى الجدول الزمني المتضخم للغاية داخل التجربة، لقد طوروه بسرعة رهيبة. أقصد، بمجرد عودتي من تناول القهوة كانوا قد تخطوا العصر الحجري إلى عصر الفضاء.
مرر المشرف أصابعه في شعره وتنهد بعمق: “إذن، هل تتيح لنا اللجنة ببساطة إيقاف كل شيء وقتل كل الموجودين هناك” أو، بمنتهى ما يحمله موقفنا هذا من الرعب، هل يجب علينا الحفاظ على سير المحاكاة إلى أن تدمر أنماط الحياة هذه نفسها ذاتيا؟ هذا سيوصلنا إلى مرحلة الإفلاس”.
تشنج الطالب:
“أنا بالفعل آسف جداً، فأنا طالب فيزياء ولا أفقه جيداً في كل هذه الشؤون البيولوجية”.
“هل علمت إيفيت بشأن هذا؟”
تجاهل الطالب هذا السؤال، وأخذ يحدق من جديد في شاشته:
“أود أن ألفت انتباهك، إنهم متعطشون جداً للدماء، أعتقد بأننا إن لم نسحب القابس، فإنهم سيبيدون نفسهم بنفسهم على أية حال”.
“حقاً؟ حسناً، لنأمل ذلك. سيحل هذا مشكلتنا بشكل أكيد، سأحتفظ على الأقل بعملي. بالمناسبة هل حصلوا على السلاح النووي؟”
“أجل، لقد توصلوا إلى ذلك منذ بضع دقائق. وهم بصدد التقدم الحثيث الآن، في الواقع هذا مثير جداً للاهتمام، إنهم قريبون من الإجابة”.
“أية إجابة؟”
“معرفة السبب وراء إنشائنا هذه المحاكاة في المقام الأول، العالم، وكيف بدأ، وما هو. لقد وجدوا كل القضايا التي لدينا، المادة المظلمة، الطاقة المظلمة، الضعف النسبي للجاذبية، وهم على وشك النجاح في ذلك”. كان الطالب ينظر إلى المشرف الذي له حبة كبيرة على وجهه. “إنهم في طريقهم لتزويدنا بحل لهذه المحاكاة!”
“هذا رائع، يمكننا النجاة من السجن، لماذا لم يخطر لنا القيام بذلك أولاً، هذا عبقري”. نظر المشرف بقلق إلى الساعة: “ولكن هل نحصل على الإجابة قبل أن تصل اللجنة؟”
“آه، بقي القليل فقط، مجرد ثوان، هيا يا كائناتي الجميلة”. انكبّ الطالب على وحدة التحكم بينما كانت إضاءات تشع عبر الشاشة من أعمدة البيانات. “لقد وجدوها” قال من دون أن يلتفت.
بصعوبة سأل المشرف: “وما هي الإجابة؟”
“لقد اكتشفوا بأنهم في غرفة احتواء زائفة، حتى إنهم منزعجون”.
وخيم الصمت.
وبعد عدة ثوان تكلم المشرف:
“إذن، لقد كانوا في محاكاة مطابقة لعالمنا؟”
“مطابقة، أجل”.
“وقد واجهوا كل المشكلات نفسها التي نحاول أن نحلها؟”
“تماماً المشكلات نفسها، أجل”.
“وقد اكتشفوا أن السبب هو كونهم داخل غرفة احتواء؟”
“أجل”.
حدّق كل منهما في الآخر، بينما استمر ذيلاهما بالحركة يميناً وشمالاً.
خاص مجلة قَنّآص
علياء الداية؛ أكاديمية سورية، دكتوراه في علم الجمال، كاتبة قصة قصيرة، مقالات نقدية، وترجمة عن الانجليزية.