أهوى الهوى كتابمكتبة بورخيس

كوميديا سوداء ساخرة في «الأخضر واليابس» لـ منى كريم

جسدي مركبتي/ أقودها كمراهق مستهتر/ تصطدم بالآخرين، بالأرصفة/ تجتاز الإشارة الحمراء في الثانية الأخيرة

بقلم عماد الدين موسى

تُفاجئنا الشاعرة الكويتية منى كريم في مجموعتها الشِعريّة «الأخضر واليابس» الصادرة حديثا عن منشورات تكوين، بجوانب جماليّة عديدة، شفيفة وهادئة في الآنِ معاً، ضمن سياق جُملتها الشِعريّة، تلك المسبوكة بعناية وإتقان، وغايةً في البساطةِ والإدهاش. الصورُ تكاد تختفي تماماً لتحلّ مكانها تقنيّة المشهد؛ ثمّة العدسةُ وحدها، ها هنا، تدور وتدور لتلتقط تفاصيل غير آنيّةٍ، مؤثرة وخاطفة من حياتنا اليوميّة، وبمنتهى الدقّة.

تقف الشاعرة منى كريم على مسافةٍ واحدةٍ من تلك الثنائيّات والمتضادات التي تحضر بشكل ملحوظ في قصيدتها؛ بدءاً من الفرح- الحزن، الأخضر- اليابس، إلى الجمال- القبح، مرورا بـالوجود- العدم، الوطن- المنفى، النور- الظل، الغياب- الحضور، والهدوء- الصخب. وهذا قد أضفى المزيد من التشويق إلى أجواء المجموعة، تحديداً من خلال استحضار “الشيء” ووضعه جنبا إلى جنب مع نقيضه، باعتبار (أحدهما إثبات للآخر، وليس تبادل أدوار). فلا معنى لليل دون نهار يتبعه ويجدّد معانيه، وما من قيمة حقيقيّة للفرح إن لم يأتِ بعد حزن. وهكذا بالنسبة إلى الحياة والموت، الحب والكره، الخير والشر.

الكتابةُ الغرائبيّة

تنتمي قصيدة منى كريم، في أحد أبرز وجوهها الرئيسة من حيثُ المحتوى، إلى الكتابة الغرائبيّة/ السورياليّة، بالرغم من انتماء بنيتها اللغوية إلى ذاك “السهل الممتنع” من الكلمات، عدا عن الأدوات الأسلوبيّة البسيطة والبعيدةِ عن أيّ غموض أو تعقيدات تُذكر؛ ولعلّ قصيدة (جسدي مركبتي) الأكثر تمثيلاً لما تحدثنا عنه، وفيها تقول الشاعرة: جسدي مركبتي/ أقودها كمراهق مستهتر/ تصطدم بالآخرين، بالأرصفة/ تجتاز الإشارة الحمراء في الثانية الأخيرة/ فيهز شرطي الموت رأسه.

ثمّة روح فكاهيّة/ مرحة في المقطع السابق، تذهب إلى ما هو أبعد من الكوميديا السوداء الساخرة، وهو ما نجده في معظم قصائد هذه المجموعة، الواقعة في مائة وواحد وتسعون صفحةً من القطع المتوسط.

طبيعة غير صامتة

“الحركة لا السكون” ما يخيّم على أجواء قصائد «الأخضر واليابس»، عبوراً إلى أنسنة الأشياء والموجودات في الوسط المحيط ومن ثمّ محاورتها وتقديمها من زاوية مُغايرة ومختلفة تماماً، وصولاً إلى تلك الاعترافات التي طالما تراود الشاعرة، من حسرةٍ، ألم، خيبة، أو أمل؛ فالسعادة كائنٌ من لحم ودم، والجسد مركبة لا توجد قطع غيار لها، بينما المدينة تهرب.

من جهةٍ أخرى؛ نجد لدى الشاعرة شغفاً جلياً بمفردات وعبارات فيها الكثير من الرقّة والحنّية، لكأنها تكتب قصيدتها بدم القلب بعيداً عن التخيّلات وسرديّات العقل الصارمة، ومن أبرز هذه العبارات نقرأ على سبيل المثال لا الحصر: «شعور مقدّس» و«السعادة» و«العاشق المنتظر» و«حواس» و«قصيدة حياتها» و«سقطت دمعته على القصيدة» و«شعور مقدّس2» و«قبل النوم/ يقبّل أسلافي أطفالهم/ بعد تقبيل معزاتهم» و«صندوق ذكريات العائلة» و«أنام على رصيف/ شرخته نباتات صغيرة»… وغيرها، ومن ثمّ توظيفها في أماكنها المرجوّة وبالصيغة الإبداعيّة الأنسب.

في قصيدة بعنوان (الزمن الجميل) تقول الشاعرة: كانت القصيدةُ بألف رواية/ وكنا نتشارك كتابة اللحظة/ قبل العولمة، هرَّب الشاعرُ/ التاريخ من الجلادين/ ولم يترك لهم ابتلاع الأيام/ بعد حرب الخليج، دخل الشاعرُ/ شقته ولم يخرج منها.

جديرٌ بالذكر أنّ منى كريم، هي شاعرة وصحفية ومترجمة، أصدرت عدداً من المجاميع الشِعريّة هي: نهارات مغسولة بماء العطش (2002)، غياب بأصابع مبتورة (2004)، ما أنام من أجله اليوم (2016). 

***

خاص قنّاص – أهوى الهوى كتاب

المحرر المسؤول: زاهر السالمي

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى