كتاب «الصورة الفوتوغرافية» للمغربي جعفر عاقيل.. يرصد التعبير البصري بالمغرب ويسائل متونه
على الرغم من كوننا نعيش في عالم الصورة بامتياز أو «نحيا حياة الصورة»، كما يقول رولان بارث، فإن التصوير الفوتوغرافي أو الفن المختص بالتقاط الصور ما زال يطرح الكثير من الأسئلة في الغرب والشرق، خصوصا مع التحولات التي عرفها هذا الفن العجيب والرهيب في الوقت نفسه، والتأثيرات التي مارسها ومازال لكونه شفرة تكثف الحقائق وتلخص الحكايات، وخير مثال على ذلك صور الحرب في غزة التي نعيشها يوميا وتنقل لنا آلاف القصص المؤلمة.
قد تكون الفوتوغرافيا تقنية مستوردة من عالم غربي يتحكم في كل شيء، كما هو حال الكثير من المستوردات في حياتنا، ولكنها تعد نافذة نستعيد من خلالها ما ضاع من الكلام أو ما استعصى على الكلام الإنساني، لأن التصوير، كما جاء في تقديم الدكتور سعيد بنكراد لكتاب الفنان والكاتب المغربي جعفر عاقيل «الصورة الفوتوغرافية»، ليس «استنساخا لعالم ثابت في المكان أو هارب من زمنية لا تتوقف، إنه صيغة أخرى من الصيغ التي استعان بها الإنسان من أجل إنتاج حقائق أودعها في لغته وإيماءاته واستعمالاته المضافة لأشياء محيطه وكائناته، وذاك ما يشكل الواجهات التي يحضر من خلالها المخيال البصري في الفضاء العمومي».
التعبير البصري بالمغرب
ولعل هذه الصيغة هي ما حاول الفنان والمصور الفوتوغرافي جعفر عاقيل تضمينها في هذا الكتاب، والنبش فيها والتفكير في التعبير البصري من وجهة نظر مغربية، من خلال رصد تاريخي للفوتوغرافيا الحديثة العهد بالمغرب، ورسم بعض ملامح تطورها وإنجازاتها وإخفاقاتها أيضا، حيث يسائل الفنان متونا كما تحققت في الممارسة الفنية، وكما تلقاها النقاد وجمهور محبي الصورة، التي أصبحت طاغية في الحياة اليومية للمغاربة، بعدما كانت لفترة طويلة تتحرك على هامش ما يصنف ضمن فنون البصر.
وفي تقديمه لهذا الكتاب، الذي اهتم بما أهمله الكثير من الباحثين في ميدان التعبير التصويري بالمغرب، يقول الفنان جعفر عاقيل رئيس الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي والمدير الفني لـ ملتقيات الرباط للفوتوغرافيا، إن الفكرة الأساسية التي يحاول هذا الكتاب بلورتها أو على الأقل إثارة الانتباه إليها، تتحدد في «الانشغال بمناقشة ما رسخته نظرة الفوتوغرافيين من تقاليد المشاهدة، وبالتالي التداول في أفكار وسنن وقيم وممارسات جديدة في المجتمع. سواء من خلال إسهامات نظرة الذات الـمتموضعة خلف مصوبة الكاميرا، أو تلك التي تقف جامدة أمام شبحية الفوتوغرافي، أو نظرة ذات المشاهد/القارئ للمنتج الفوتوغرافي».
ويضيف بأن الحديث عن النظرة، هو في واقع الأمر حديث عن الآليات التي تشتغل بها الفوتوغرافيا، وكذلك حديث عن الأشكال التي تظهر بها هذه الأخيرة وعن التعبيرات التي تنتجها وعن الأحاسيس والانفعالات التي تولدها في وجدان المشاهد/القارئ. لقد كانت الغاية من كل ذلك، كما يقول، هو الانصات إلى خفقات هذه الأخيرة وسبر أغوارها وفهم إيحاءاتها المرتبطة تارة بخلق المتعة البصرية، وحينا بمزاولة التأثير قصد استدراج الأفراد إلى استهلاك منتجات وخدمات وأفكار، إنها ممارسة لغواية من نوع خاص، هي تلك التي تمكن أصحاب القرار، في كل مواقع السلطة، إلى التحكم في سلوكهم. إن التفكير في جوهر النظرة التي تقوم عليها الفوتوغرافيا من شأنه أن يقربنا كذلك من إدراك أسرار هذه المرآة الساحرة، وتقودنا إلى فهم أدوارها ووظائفها وتأثيراتها وأيضا انشغالات العاملين في مجالاتها.
ويتوزع كتاب الصورة الفوتوعرافية الصادر عن المركز الثقافي للكتاب ٢٠٢٣، والواقع في ١٩١ صفحة من الحجم المتوسط، إلى ثلاثة أقسام، يتناول القسم الأول تاريخ الفوتوغرافيا المغربية وثيماتها وأساليب ورؤى بعض المشتغلين بها كالفنان والمخرج السينمائي داوود أولاد السيد، ويتناول القسم الثاني استعمالات الفوتوغرافيا في الحياة اليومية كالإشهار والصحافة والخطاب السياسي ومواقع التواصل الاجتماعي، مع التركيز على الآثار المختلفة التي يتركها هذا التوظيف في نفسية المشاهد/ القارئ وذهنه. أما القسم الثالث فخصصه الباحث لأثر الفوتوغرافيا في الكتابات السردية المغربية والتفاعلات التي صارت تنسجها في الرواية والسيرة الذاتي تحديدا.
ومضات حول الفوتوغرافيا بالمغرب
وفي القسم الأول من هذا الكتاب المرجعي المهم، قدم الباحث مجموعة من الومضات الأساسية حول الفوتوغرافيا المغربية، جاء فيها أنه على الرغم من شح المعلومات التاريخية عن كيفية دخول الفوتوغرافيا إلى المغرب وردود أفعال الساكنة حولها، فإنه يمكن الزعم بأن احتكاك المغاربة بها كان مبكرا، ذلك أن مجموعة من الدراسات والأبحاث تجمع على أن تعرف المغاربة عليها يعود إلى بداية المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتحديدا سنة 1859، أي تزامنا مع زيارة الكاتب الفوتوغرافي الإسباني بيدرو أنطونيو دي ألركون Pedro Antonio De Alarcon لمدينة تطوان في إطار مهامه كجندي أولا ومراسل حرب ثانيا. وأنه مباشرة بعد هذا التاريخ، ستتوالى زيارة المصورين والفوتوغرافيين والعسكريين والإثنوغرافيين إلى أرض المغرب بوتيرة منتظمة حينا، ومتقطعة أحيانا أخرى، ولكن العنصر المشترك والبارز في هذه الزيارات، هو فكرة التسويق والدعاية للتمدن والتحضر الذي حملته إدارة الاستعمار إلى المغرب عبر الاعتماد على حامل الفوتوغرافيا، والتوثيق لطريقة عيش المغاربة وكيفية تأثيثهم لفضاءاتهم الداخلية والخارجية، وطريقة لباسهم وممارستهم للشعائر والطقوس الدينية، وتوظيف كل تلك المنتوجات والحوامل البصرية في بطاقات بريدية أو صور لأغلفة الكتب والمجلات، وملصقات إشهارية.
وبالموازاة مع هذه التوظيفات، سيعرف المجتمع المغربي نقاشا طويلا حول التصوير الفوتوغرافي، وستتراوح ردود الفعل بين رافض لهذا الفن من قبل المتشددين والرافضين للتجديد، وبين مقبل عليه، خاصة النخبة المثقفة والمتنورة التي رأت في الفوتوغرافيا وسيطا لحفظ الذاكرة وتخليد الأثر، حيث أقدم السلطان مولاي عبد العزيز مع مطلع سنة 1901 على خطوة الانفتاح على الآلة الفوتوغرافية لتخليد الأنشطة والمناسبات التي تعرفها إقامته السلطانية. وستسمح هذه الخطوة إلى تغيير السحنات المصورة وتحويلها من وضع المؤثث للصورة إلى الفاعل والمنتج للمعنى، وهو ما سيدفع إلى ظهور ميولات لدى المغاربة للبحث في أسرار هذه المرآة الساحرة، التي سيصبح لها حضور متقدم في المشهر السياسي والإعلامي والاقتصادي منذ المنتصف الثاني لثلاثينيات القرن الماضي، بعد ظهور مجموعة من استوديوهات التصوير بفاس والدارالبيضاء والرباط ومكناس ومراكش وطنجة.
أقدم السلطان مولاي عبد العزيز مع مطلع سنة 1901 على خطوة الانفتاح على الآلة الفوتوغرافية لتخليد الأنشطة والمناسبات التي تعرفها إقامته السلطانية
الفوتوغرافيا كوسيط فني
غبر أن الانطلاقة الحقيقية للفوتوغرافيا، كما جاء في هذه الومضات التقديمية للكتاب، لن تكون إلا في نهاية ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، حيث لم تعد الآلة الفوتوغرافية مجرد وسيط للتوثيق والإخبار، بل أصبحت وسيطا فنيا للتعبير والتفكير، تخصص له معارض فنية وتفسح له آفاق للنقاش في المجلات الثقافية المتخصصة، وتعرف بأعلامه وتواكب أعماله، من مثل مجلات: أنفاس، لاماليف، الثقافة الجديدة، أنتيكرال وغيرها. وفي تلك المرحلة سيظهر أول ألبوم فوتوغرافي في تاريخ الفوتوغرافيا المغربية سنة 1974 لمحمد بنعيسى، وسنة 1976 سيحرز الفنان الناضر التهامي على جائزة النقد التي تمنحها «ملتقيات آرل للفوتوغرافيا» بفرنسا. ومع مطلع ثمانينيات القرن الماضي ستعرف الفوتوغرافيا المغربية تحولات مهمة بتعدد المعارض الفردية والجماعية، وظهور مسابقات وورشات تكوينية وتأسيس نوادٍ بمجموعة من المدن، وستبرز أسماء ما زال للبعض منها حضور في مشهدنا الفني الحالي، كعبد الرزاق بن شعبان، وداوود أولاد السيد، وعزالدين العلمي، وعبد الحميد الرميلي، وحميد الزروالي، وأحمد بنسماعيل، ومحمد مالي وآخرين.
وتميزت أعمال هؤلاء الفنانين، كما يقول جعفر عاقيل، بالجمع في أسلوبها الفني بين التوثيقية والتعبيرية، والاشتغال على موضوع المدينة المغربية في تعددها وتحولاتها وتضادها وهجنتها، والانشغال بإيجاد تأطيرات بتقطيعات وتركيبات بصرية تنشد الملتبس والمنفتح وتقطع مع اللقطات الجامدة والكسولة. وفي نهاية هذا العقد سيعرف المغرب ثلاثة أحداث فوتوغرافية مهمة، أولها تنظيم معرض فوتوغرافي جماعي سنة 1987 بمبادرة من الناشرة ليلى الشاوني، صاحبة «دار نشر الفنك»، بمناسبة الدورة الأولى من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدارالبيضاء، وثاني هذه الأحداث هو ميلاد الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي سنة 1988 بالقنيطرة بمبادرة من الفنان عبد الحميد الرميلي. أما ثالثها فهو صدور ثاني ألبوم فوتوغرافي في تاريخ النشر الفوتوغرافي بالمغرب سنة 1988 تحت عنوان «مغاربة»، وهو من توقيع الفنان داوود أولاد السيد. لتتوالى بعد ذلك المعارض واللقاءات المهتمة بالفن الفوتوغرافي، ويتم التسليط الضوء على هذا التعبير الفني، وستظهر أسماء جديدة كحسن نديم، والتهامي بنكيران، وميلود ستيرة، وجعفر عاقيل، وفوزية العلمي، ونور الدين الغماري، وغيرهم من المبدعين في فن التصوير الفوتوغرافي الذين احتكوا بالتجارب الغربية وواكبوا تطورات هذا الفن الذي أضحى أداة للتعبير عن الرؤى والمواقف الإنسانية، فتمكن مجموعة من الفنانين من إثارة قضايا وإشكالات راهنة وحارقة كالهجرة السرية، والحدود، والتطرف، وغيرها من المواضيع التي انخرط الفنانون من خلالها في كتابة تاريخ المغرب المعاصر بلغتهم الخاصة.
وأثار الفنان والكاتب جعفر عاقيل في القسم الأول من هذا الكتاب الكثير من القضايا والأسئلة المتعلقة بالفوتوغرافيا المغربية اليوم، والأساليب والتوجهات الفنية السائدة، وطبيعة ونوعية التراكمات الشكلية والمضمونية والتقنية التي تحققت في هذا المجال، ومدى إسهام الدراسات النقدية في تأطير هدا المنجز الفوتوغرافي المغربي، وما تحقق من كتابات تأريخية وتوثيقية له، كما تناول تجربة الفنان داوود أولاد السيد، التي زادت من حضور ومكانة الصورة الفوتوغرافية في المشهد الإعلامي والثقافي والفني، ورسخت صورة ووضعية الفنان الفوتوغرافي بالمجتمع المغربي، وتحدث عن تقنياته في التصوير واستعماله المتكرر للشبحية ذات الزاوية الواسعة، وتركيزه على تصوير مغرب الهامش سواء في القرى أو الأحياء الهامشية بالمدن، وهي صور تحكي قصصا عن المغرب العميق من خلال التركيز تارة على تصوير وجوه شخوص مسنة أو شابة، وتارة أخرى تصوير فضاءات مهجورة أو شبه فارغة، حيث يمكن الحديث في تجربة داوود أولاد السيد، كما ذكر عاقيل، عن مجموعة من المكونات الأساسية في تقنيات التصوير لديه، من ضمنها مكون طبيعة المسافة التي يؤسسها الفنان مع موضوعه المصور، الموسومة بالبعد أحيانا وبالقرب أحيانا أخرى، وهذا القرب هو المكون الغالب على صوره النابع من اختياره الإنسانوي. ويرتبط المكون الثاني بسؤال الوضعية/ الهيأة التي يحضر بها جسد الشخوص في اللقطة المصورة. أما المكون الثالث فيرتبط بتقنية الانعكاس المرآوي L’image mise en abyme، والتي يتخذ حضورها في منتج داوود أولاد السيد شكل صور موازية ومواكبة للموضوعات الرئيسة تهتم بها الفوتوغرافيا، لكنها في الوقت نفسها متفاعلة جدا معها.
استعمالات الفوتوغرافيا وتأثيرها
وفي القسم الثاني من هذا الكتاب يهتم الكاتب باستعمالات الفوتوغرافيا المغربية وتأثيراتها، والدور الذي قامت به وماتزال في التوثيق لمجموعة من الأحداث والموضوعات والشخصيات، ولو أنها في فترات تاريخية مغربية سابقة كانت تقوم على الانتقائية والاختزالية وتكشف عن العنف الرمزي الذي مارسته الفوتوغرافيا الاستعمارية، وخير مثال على ذلك هو صورة اليهودي مسعود أسولين وزوجته في عرس يهودي وهو حافي القدمين في ثلاثينيات القرن الماضي في الجنوب الشرقي للمغرب، من قبل المصور والرسام الفرنسي جون بزانسونو Jean Besancenot، والمتضمنة في كتاب عن يهود المغرب، حيث كانت الذات المغربية، سواء كانت أمازيغية أو يهودية، ذاتا خاضعة للمستعمر ورغباته واستيهاماته، وهو ما حز في نفس اليهودي أسولين الذي طلب من ابنته حنة أسولين، إيجاد حذاء لرجليه بالتقنيات الحديثة، حتى لا تظل تلك الصورة على حالها. وما إصرار السيد أسولين، كما جاء في الكتاب، على ذلك الأمر إلا «تعبيرا عن انتساب اجتماعي وعن انتماء إلى أرض ومن ثم إلى وطن. ألم يشكل الحذاء في متخيل عدد كبير من الأفراد والجماعات والشعوب، وأيضا في تراث مجموعة من الحضارات والثقافات، وضمنها الثقافة اليهودية، رمزا للتحرر من الفقر والتهميش والعبودية، وكذلك إعلانا عن وضع اجتماعي راق، وتأكيدا على امتلاك سلطة رمزية ما».
ومن الاستعمالات التي ركز عليها الكاتب بالنسبة إلى الفوتوغرافيا في المغرب، صورة الزعيم السياسي أو البورتريه السياسي من خلال التركيز على البورتريهات التي أعدها الفنان عبد الرحمان زكري لزعيم اليسار المغربي محمد بنسعيد آيت إيدر، والمتضمنة في كتاب صادر عن مركز للدراسات والأبحاث يحمل اسم هذا الزعيم الذي وافته المنية مؤخرا. وكذا صورة الغلاف في المجلات والصحف، من خلال التركيز على غلاف العدد 908 من مجلة “تيل كيل Telquel” الصادرة باللغة الفرنسية في شهر يونيو 2020 والذي ضم بورتريها للزعيم السياسي والمناضل والوزير الأول الراحل عبد الرحمان اليوسفي، الذي قاد حكومة التناوب بالمغرب (1998- 2002)، وذلك تحية وإشادة بشخصية هذا الرجل العظيم.
وإضافة إلى هذه الاستعمالات تحدث الكاتب عن الفوتوغرافيا الإشهارية وترساتها الحجاجية من أجل إقناع المشاهد/ المستهلك واستدراجه لاقتناء المنتج، وبطاقة التعريف الافتراضية التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي في فترة وباء كورونا، حيث أقدم العديد من مستعملي هذه المواقع على نشر صور تجسد لحظات الطفولة أو الشباب، لينتقل هذا التحدي إلى نشر ملصقات للأفلام وأغلفة الكتب، وبهذا الشكل تم الكشف بشكل جماعي وعفوي وإرادي عن حيوات لم يكن يعرف عنها الشيء الكثير، غير أن هذا الغلو في التواصل بهذه المواقع الافتراضية له وجه سلبي، هو عزلة الفرد عن الجماعة وانطوائه على نفسه، وحرمانه من معاشرة ومخالطة الفضاءات العمومية التي تعج بالحركة والحياة الإنسانية.
أثر الفوتوغرافيا في السرد
أما القسم الثالث من الكتاب، فأفرده الكاتب لأثر الفوتوغرافيا في الكتابات السردية المغربية من خلال السيرة الذاتية للكاتب المغربي سعيد بنكراد «وتحملني حيرتي وظنوني: سيرة التكوين» الصادرة عن المركز الثقافي للكتاب سنة 2021، ورواية «جيرترود» للشاعر المغربي حسن نجمي الصادرة عن المركز الثقافي العربي سنة 2011، وقبلهما عن رولان بارث ونصوصه التي كتبها عن المغرب، خاصة مؤلفه «وقائع Incidents»، الذي نشر بعد رحيله بسبع سنوات، وهو يضم ملاحظات سجلها في دفتر يومياته عن فترة إقامته وتجواله في العديد من المدن المغربية. وهو كتاب استحضر بارث فيه أسلوب كتابة تقوم على مجموعة من النصوص القصيرة المتميزة بالكثافة المرئية في بناء جملها، وكأنها لحظات فوتوغرافية هاربة.
رولان بارث ونصوصه التي كتبها عن المغرب في مؤلفه «وقائع Incidents»
وفي سيرة الكتاب المتخصص في السيميائيات سعيد بنكراد، تحضر صورة الأب التي رسمها الكاتب بأشكال مختلفة، نظرا لغياب صورة الأب الأصلية، ومعاناة الكاتب من اليتم وهو صغير السن، ولعل هذه المعاناة هي التي مكنت الكاتب، كما يقول جعفر عاقيل، من «إعادة تمثيل صور كثيرة عن الأب، ليس بالمعنى الفوتوغرافي المحض، وإنما بأسلوب يعتمد تفكيرا يتمازج فيه التجريد والتخييل والوصف والحكي والعشق، وأيضا بوعي متآلف ومدرك لخصوصيات تاريخ المشاهدة وتقاليد الإدراك التي أرستها الصورة الفوتوغرافية في المجال البصري».
رواية «جيرترود» لحسن نجمي، ترسم سيرة غيرية للكاتبة الأمريكية جيرترود ستاين، غلاف الرواية لوحة لبابلو بيكاسو
وفي رواية «جيرترود» للكاتب والشاعر حسن نجمي، يرسم هذا الأخير سيرة غيرية للكاتبة الأمريكية جيرترود ستاين، فمن غلاف الرواية الذي يضم لوحة لبابلو بيكاسو إلى فصول الرواية، تحضر لغة الصورة، وتحديدا البورتريه كمكون أساسي في كتابة النص ونسج خيوط أحداثه، وإنتاج مضامينه. وبهذا الشكل تكون هذه التجربة الروائية، حسب صاحب هذا المؤلف، قد أثارت مجموعة من الأسئلة والقضايا المرتبطة بالعلاقات الممكنة أو المستحية ما بين الكتابة والفنون البصرية والحدود الفاصلة بين هذه السجلات، وخاصة الفوتوغرافيا.
***
كتاب «الصورة الفوتوغرافية» للمغربي جعفر عاقيل.. يرصد التعبير البصري بالمغرب ويسائل متونه، بقلم سعيدة شريف
ولد جعفر عاقيل سنة 1966 بمكناس ويقيم حاليا بمدينة الرباط/المغرب. يعمل كأستاذ للتعليم العالي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط/ تخصص فوتوغرافيا وتحليل الصورة. حصل سنة 2004 على الدكتوراه في موضوع “تحليل الصورة الإشهارية التلفزية بالمغرب: مقاربة سيميائية”. ومنذ ذلك الوقت انصبت اهتماماته الأكاديمية حول موضوع جوهر الصورة واستعمالاتها وتحليل تأثيراتها على الأفراد والجماعات. نشرت له مجموعة من الدراسات والأبحاث بمجلات مغربية وعربية. كما صدر له سنة 2014 ألبوم فوتوغرافي، بعد إقامة فنية بالإقامة الدولية للفنون بباريس، تحت عنوان: «الدار البيضاء – باريس: تِـجْوالات»، وسنة 2015 عن منشورات الفنك كتاب موسوم بــ«نظرة عن الصورة الفوتوغرافية بالمغرب».
سعيدة شريف؛ كاتبة وإعلامية مغربية